تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحصر الوهمي]

ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[30 - 05 - 10, 01:00 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

[الحصر الوهمي]

يقف على رأسك أحدهم وينادي: إحدى اثنتين إما أن تأتي معي وإما أن تعود لبيتك، وقد يكون هناك خياراً ثالثاً غير ما ذكر. بيد أنه مارس الحصر الوهمي عليك.إذ قدم لك خيارين وأخفى ثالثاً وربما رابعاً وخامساً.

ويتقمص دور المثقف أحدهم ويستعرض أمام ناظريك ثقافته وإطلاعه وسنوات خبرته، ثم يعرض قوماً لا تعرفهم وينادي فيك إنهم من المعتزلة الجدد أو التنويريين، ويأتي آخر فيقول لا بل (سلفية إصلاحية).!!

هذا حصر وهمي. فلا هم معتزلة، ولا هم مصلحون سلفيون، وإنما شيء آخر. إنهم يمارسون الحصر الوهمي، ليخرجوك من إطارك الفكري (العقدي)، وليلبسوا عليك بقصدٍ أو بدون قصد.

والضعيف يدخل في الحصر الوهمي. والعاقل يتدبر فيما يملى عليه، وينظر في سياق الأفعال والأقوال ... يلقي نظرة على مَن يتكلم من أين جاء؟، وماذا يريد؟

وقومٌ يحسبون على الأذكياء، ويحسبون على الدعاة لهذا الدين، قد دخلوا (الحصر الوهمي)، وغرقوا فيه.

فقط ألفت النظر لقضية الحصر الوهمي الذي يمارس علينا، والذي غرق فيه بعضنا وهم لا يشعرون، وحتى يتضح المقال أضرب مثالاً. والمثال مقصود لذاته.

إحدى المسلمات العقلية أن الواقع يتبع المفاهيم .. أو يتشكل تبعاً لما في الرؤوس من مفاهيم وأفكار، وتغيير المفاهيم والأفكار (المعتقدات) يكفي لتغيير الواقع.

يعرف هذا ويتكلم به عدد من العلوم، فعلم النفس (وفصيله البرمجة العصبية اللغوية) يبين أن (سلوك) الإنسان عبارة عن إدراك، فتصور، فأحاسيس، فعمل بالجوارح، وأهل العقيدة يقولون قول القلب، وعمل القلب، وعمل الجوارح. والتاريخ يحدثنا عن أن حركات التغيير كلها بدأت ببث مفاهيم صحيحة في صدور الناس، وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل الأنبياء والصالحين ـ والمجددين، بل والمتمردين على مجتمعاتهم من الكافرين شاهد على ذلك.

يبدأ حراك فكري يليه تغيير واقعي يتناسب مع المنتصر في الساحة الفكرية. فالواقع يشكله المنتصر فكرياً. أو الصراع الفكري يسبق الحراك العملي.

هذه مسلمة عقلية. لا يماري فيها عاقل. ومع ذلك نجد نفراً من أصحاب العقول ـ زعموا ـ والوجاهة بين الناس لا ينفكون من الحديث عن تغير الزمان وضرورة مسايرته .. أو مطاوعته. يجعلون هذه قاعدة يقفون عليها، ثم ينادون (وهم مختلفون في صراحة العبارة وقوة الصوت) بتاريخية النص، أو تاريخية التجربة الإسلامية.

هؤلاء غرقوا في الحصر الوهمي. أحيطت عقولهم بسورٍ عالٍ ليس له باب، فضاق أفق المحصور، وظن المحصور أن الدنيا كلها ما يرى.

ثم تحمر عينيه، ويشتد صوته، وود أن لو حملك على مذهبه حملاً.

والخلل عنده. هو في ركاب غيره. وإن المفاهيم إن وجدت رجالاً يحملونها تحولت لواقع يتحرك بين الناس.

ومن صور الحصر الوهمي حديثهم عن أن الأدب للأدب والصحافة للصحافة، والفن للفن، وهذا كله حصار، سياج يضرب على العقول، فكلها وسائل،وأبداً لم تكن غايات. وسائل لتفعيل القضايا أو تمريرها.

أبو جلال / محمد بن جلال القصاص

السبت

29/ 05 /2010

16/ 06 /1431

ويا قومنا

فإذا أردتَ واقعاً يتماشى وما أنت

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير