ومن شدة عناية وكالة التطوير والتدريب البريطانية ( TDA) بهذه القضية صارت تهاجم من قبل الناشطين في الحركات النسوية والمعارضين لهذه التوجهات، حتى أن الرئيس التنفيذي للوكالة المشار إليها وهو "جراهام هولي" أظهر انزعاجه من ذلك وقال (كلما تحدثت عن حاجتنا لزيادة أعداد المدرسين الذكور في الصفوف الأولية تقول الاتحادات عني أنني أصبحت ضد المرأة!) [ Guardian,12Jul2009]
وتنقل الكاتبة المهتمة بشؤون التعليم "ليبست" عن البعض قولهم (إن نقص المعلمين الذكور في الصفوف الأولية يعني أنه لن يكون لديهم تواصل منتظم بالرجال حتى سن الحادية عشرة!) [ Guardian,23Mar2009]
وهذا بدهي أصلاً لايحتاج لكبير دراسات، فإن المدرس الذكر يملك خبرات يحتاجها الطالب الذكر لاتملكها المعلمة المرأة ولاتستطيع إيصالها، والاستهتار بخبرات الرجال وتربية الأجيال عليها يعكس سطحية خطيرة.
وبعيداً عن إدراك كثير من الغربيين –وإن كان إدراكاً متأخراً- لخطورة فصل الفتيان عن الرجال، فإن فقهاءنا رحمهم الله حين كتبوا عن التعليم وآدابه نبهوا على كثير من المسائل ذات الصلة، وتكلموا عن أهمية تربية الفتى بين الرجال ليكتسب من شخصياتهم، بل ونبهوا على أهمية فصل الفتيان عن الفتيات في التعليم حتى وهم صغار مراعاة لذلك، فهذا الإمام المشهور سحنون (ت256هـ) كتب رسالة تربوية عن أحكام التعليم وقال فيها (وأكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان، لأن ذلك فساد لهم) [آداب المعلمين، الإمام سحنون، ت. أحمد الأهواني، دار المعارف، ص263]
وهذا العلامة القابسي (ت403هـ) فقيه القيروان كتب رسالة تربوية –أيضاً- حول التعليم ونبّه على هذه القضية فقال في طريقة تعليم الصبيان: (ومن صلاحهم، ومن حسن النظر لهم؛ أن لايخلط بين الذكران ولإناث) [الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلِّمين، لأبي الحسن القابسي، ت أحمد خالد، الشركة التونسية للتوزيع، ص131]
والحقيقة أنني حين أتذكر مصيبة كثير من المعلمين العاطلين الذين لم يجدوا وظيفة، ثم أقارنها بهذا القرار التعيس الذي سيزيد حرمانهم فإنني أتحسر على أن تخطط أمورنا المدنية بهذا الشكل .. آلاف من الشباب الآن -وهم أرباب الأسر- المتخرجين بشهادات معلمين لايجدون وظائف .. ثم يأتينا هذا القرار!
هذا التوجه لوزارة التربية والتعليم لايصب في مصلحة تخفيف البطالة بل يصب الكيروسين على نيران البطالة .. بدلاً من أن يفتح للشاب وظيفة جديدة راح يغلق وظائف موجودة!
بدلاً من أن يوظف رب الأسرة ذهب يوظف زوجته ويحرم زوجها من وظيفته!
ومن شبهاتهم التي يتذرعون بها قولهم (إن هذا فيه توظيف للمرأة)، والحقيقة أن توظيف المراة يكون بخلق فرص وظيفية مناسبة لها، وليس باجتياح وظائف الشباب المسكين الذي يعاني هو الآخر من البطالة! هذا كمن رأى رجلاً فقيراً فراح يتصدق عليه بالأخذ من رصيد مفلس أسوأ منه حالاً!
ومن شبهاتهم التي يتذرعون بها قولهم (نريد رقة في تعليم الصبيان) وكأننا نعاني من ازدياد الرجولة في صبياننا؟! وكأن الجيل الجديد يتفجر فروسية وفتوة! بالله عليك خذ جولة في المجلات الشعرية المصورة، وكثيراً من ضيوف الفضائيات، واشمئز بقدر ماتستطيع من ظاهرة التأنث في الحديث، والتمايل والأصوات الناعسة، والصور المستلقية على أحد جانبيها، بل وخصلات الشعر التي صار يلقيها بعض الرجال على أحد عينيه!
نحن في عصر استنوق فيه الجمل وهؤلاء يقولون نريد رقة نسائية في تعليم أبنائنا .. نحن لانريد رقة، فقد أصيب أبناؤنا بأمراضها .. بل نريد ثقافة رجولية يفهم فيها الفتى معنى المسؤولية والصمود والغيرة والحمية بمعناها اللائق به ..
بدلاً من أن يكون الفتى في ذروة سنوات التربية يرى اللحية والشماغ والثوب ويردد قال الأستاذ وحكى لنا الأستاذ، ويقف أمام أستاذه رجلاً لرجل .. يأتيك طفلك غداً لايرى إلا تنورة وأسورة وقلائد وقروط وروجاً وقصات شعر نسوية ويردد قالت الأبلة وحكت لنا الأبلة، ويقف أمام أبلته بكيان مختلف عن كيانها، لايدري وهو يشعر بغربته بينهن أين مساره؟!
¥