إن الذي يطلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه هذا لا يحتاج إلى الانتساب إلى الجامعة، لأن ذلك العلم يستطيع أن يحصله في المسجد، والجامعة -في الأصل- مكان للتخصص ودراسة العلوم بتعمق، ومن انتسب إليها يفترض أن همته أعلى من ذلك وأن نيته رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، ومن أراد مواصلة طلب العلم بعد التخرج فعليه بالخروج إلى الميدان ولا يقل: "لست أهلا"، لأننا نقول له:" أنت لست أهلا لما لا تحسن وأنت أهل لكل ما تحسن، ويجب عليك أن تنصح وأن تنفع ".
وبالتدريس تراجع ما حصلت فلا تنساه، لأن العلوم التي درسناها تذهب عن قلوبنا إذا لم نعد النظر فيها، وإعادة تدريس هذه الفنون يعتبر بمثابة المراجعة لها، وقد اعتمد هذه الطريقة بعض المشايخ المتخرجين من الجامعات فاستفادوا من ذلك كثيرا، خاصة من تخرج من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، لأن البرامج المقررة هناك كثيرة المادة وغزيرة الفوائد، وقد وضعها علماء وألقاها مدرسون أكفاء، ومن زعم منا أن ما تلقاه في الجامعة التي انتسب إليها شيء قليل، فلا يضيع هذا القليل.
وبالتدريس يحقق الطالب ما كان متوقفا فيه من مسائل، وما كان قد أجَّل البحث فيه إلى وقت لاحق، وهذا معنى قول الشيخ العثيمين رحمه الله:"ما استفدنا إلا بعد أن تصدرنا"، وليس معنى هذا الكلام أنه لم يستفد شيئا قبلها، ولكن معناه الاستفادة الكاملة بالتفقه في العلوم التي حفظها في صغره وتحقيق المسائل، لأن التدريس يستدعي تحضيرا ونظرا في المسائل وتدقيقا فيها وتوسعا في فروعها، وكذلك المدرس ترد عليه أسئلة ويتوقع أسئلة تدفعه لزيادة البحث وهكذا.
ونضرب مثالا بمن يَدرس كتابا بمفرده فيصادف مسألة أغلقت عليه أو فيها بعض الإشكال، فهذا يستطيع أن يتجاوزها، وهو ينوي الرجوع إليه في وقت لاحق، ولكنه إذا كان مقدما على عرض المسألة على الطلبة أو على شرحها للعامة فهنا يتوجب عليه أن يقف عندها ويبذل الجهد لفك الإشكال وإزالة الغموض.
2 - مواصلة الدراسة الجامعية
ومن أسباب الاستمرار في الطلب السعي إلى مواصلة الدراسة الجامعية (الماجستير والدكتوراه)، فلا بد أن تكون همتنا في طلب العلم عالية وكذلك في نيل هذه الرتب والشهادات، على أن هذه الشهادات في ميزان العلم ليس لها قيمة كبيرة في هذا الزمان، لكن لها وزنها بالنظر إلى كونها وسيلة من وسائل الدعوة، الشهادة العالية في هذا الزمان سلاح من أسلحة الدعوة، وأنت ترى العامة كثيرا ما يغترون ببعض الجهلة من أهل البدع لا لشيء إلا لكونه ينادى دكتورا، وإذا كان المبطل والجاهل يحمل شهادة الدكتوراه، فلماذا لا يحملها الذي عنده العلم أو شيء من العلم.
وإن مواصلة الدراسات العليا سبب من أسباب الثبات على طريق العلم، وعاصم من الشواغل، وطريق إلى التخصص في بعض العلوم الشرعية، ومن تخصص في فن حقق ما لم يحققه غيره ممن اكتفى بالمشاركة فيه والإلمام دون تخصص.
3 - الوظيفة في السلك الديني
ومن وسائل الاستمرار في الطلب الوظيفة في السلك الديني، ولا شك أننا بحكم الواقع الذي نعيشه مطالبون بأن تكون لنا وظيفة ومصدر رزق نتقوت منه، والذي ينصح به طالب العلم أن لا يبتعد في الوظيفة عن ميدان تخصصه وإلا ذبل ومات، وفي القديم كان بعض العلماء يحذر من الوظيفة وذلك لما عاينوا من آفاتها، وهي تقترب في المعنى من نهي السلف عن التقرب من السلطان، لما في ذلك من الفتنة والصد عن قول كلمة الحق، لكن هذا لا يصلح في زماننا لأننا إذا قارنا بين المصالح والمفاسد نجد أن المصالح أكثر، وهذه العلل المذكورة يجوز أن يتمسك بها من كانت له كفاية من جهة الرزق، ومن تيسرت له سبل الدعوة إلى الله تعالى من دون انتساب إلى هذا السلك.
وفي واقعنا اليوم الدعوة إلى الله تعالى مضيق عليها –أشد التضييق-إلا ما كان في الطرق الرسمية، فمن توظف في السلك الديني نفع وسد ثغرة وربما فتح المجال لإخوانه لينشطوا أيضا.
ومن جهة أخرى على الطالب الجاد المستقيم على الطريق أن لا يترك هذا الباب لغيره من غير المجدين، ومن المرتزقة، وممن هم على غير طريق أهل السنة، فإذا لم يشغل طلبة العلم المناصب شغلها أهل البدع وأهل الجهل والمرتزقة بالدين، ومن هذا المنظار يتعين على الطالب أن يطلب هذه الوظيفة.
ثالثا: نصائح في باب الدعوة إلى الله تعالى
¥