أنفقتم على فتحها، فرفعوه؛ فإذا هو قدر الذي وجدوه، لا يزيد ولا ينقص، ووجدوا داخله بئر مربعة في تربيعها [أربعة] أبواب، يُفضي كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم، ووجدوا في رأس الهرم بيتا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج، وفي وسطه إنسان عليه درع من ذهب، مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوؤه كضوء النهار، وعليه كتابة بقلم الطير، لا يعلم أحد في الدنيا ما هي، ولمَّا فتحه المأمون أقام الناس سنين يدخلونه، وينزلون [من الزلاقة التي] فيه [فمنهم مَن يسلم، ومنهم مَن يموت].
وعليهما جميع الأقلام السبعة: اليونانية، والعبرانية، والسريانية، والسندية والحميرية والرومية والفارسية.
... وحكى مَنْ دخل الهرم أنه وجد فيه قبرا، وأنَّ فيه مهالك، وربما خرج الإنسان في سراديب إلى الفيوم.
... وحكى بعض شيوخ مصر أنّ بعض مَنْ يعرف لسان اليونانية حلَّ بعض الأقلام التي عليها ' فإذا هي: (بنى هذا الهرمان، والنسرالواقع في السرطان). قال: / ومِن ذلك الوقت إلى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ستة وثلاثون 3 ب
ألف سنة، وقيل: اثنان وسبعون ألفا.
... ولمَّا دخل أحمد بن طولون [مصر، حفر على أبواب] الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوب عليها سطور باليونانية، فأحضر مَنْ يعرف ذلك القلم، فإذا هي أبيات شعر، فترجمت، فكان فيها:
أنا من بنى الأهرام في مصر كلها ومالكها قدماً بها والمقدَّم
تركت بها آثار علمي وحكمتي على الدهر لا تبلى ولا تتثلم
وفيها كنوز جمّة وعجائب وللدهر لين مرة وتهجم
وفيها علومي كلها غير أنني أرى قبل هذا أن أموت فتعلم
ستفتح أقفالي وتبدو عجائبي وفي ليلةٍ في آخر الدهر تنجم
ثمان وتسع واثنتان وأربع وسبعون من بعد المئين فتسلم
ومن بعد هذا جزء تسعين برهةً وتلقى البرابي صخرها وتهدم
تدبر فعالي في صخور قطعتها ستبقى وأفنى قبلها ثم تعدم
فجمع ابن طولون الحكماء وأمرهم بحساب هذه المدة، فلم يقدروا ... وقال صاحب مناهج الفكر: ومِن المباني التي يُبلي الزمان، ولا تبلَى، وتدرس معالمه وأخباره، وأخبارها ومعالمها لا تدرس ولا تبلى، الأهرام التي بأعمال مصر، وهي أهرام كثيرة، يقال إنّ بانيها سوريد بن سلهوق بن سرياق قبل الطوفان؛ لرؤيا رآها؛ فقصّها على الكهنة، فنظروا فيما تدل عليه الكواكب النيرة من أحداث تحدث في العالم، وأقاموا مراكزها في وقت المسيلة، فدلت على أنها نازلة من السماء / تحيط بوجه الأرض، فأمر حينئذ ببناء 4 أ البرابي على تحقيق ذلك، فأيس من فتحها.
والأهرام العظام، وصوّر فيها صور الكواكب ودرجها، وما لها من الأعمال، وأسرار الطبائع، والنواميس، وعمل الصنعة.
ويقال أنّ هرمس المثلث [الموصوف] بالحكمة هو الذي يسميه العبرانيون أخنوخ، وهو إدريس عليه السلام، استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان، فأمر ببناء الأهرام، وإيداعها الأموال، وصحائف العلوم، وما يُخاف عليه من الذهاب والدثور.
... وكل هرم منها مربع القاعدة، مخروط الشكل، ارتفاع عموده ثلاثمائة ذراع، وسبعة عشر ذراعا، يحيط به أربعة سطوح متساويات الأضلاع، كل ضلع منها أربعمائة ذراع، وستون ذراعا، ويرتفع إلى أن يكون سطحه مقدار ستة أذرع في مثلها، ويقال أنه كان عليه حجر شبه المكبة، فرمته الرياح العواصف، وهو مع هذا العِظم من إحكام الصنعة، وإتقان الهندسة، وحسن التقدير، بحيث [أنه لم يتأثّر] إلى الآن بعصف الرياح، وهطل السحاب، وزعزعة الزلازل، وهذا البناء ليس من حجارته ملاط إلاّ ما يتخيل أنه ثوب أبيض فُرش بين حجرين، أو وَرقة، ولا يتخلل بينهما الشعرة، وطول الحجر منها خمسة أذرع في سمك ذراعين.
ويقال إنّ بانيها جعل لها أبوابا على أدراج مبنية بالحجارة في الأرض، طول كل حجر منها عشرون ذراعا، وكل باب من حجر واحد، يدور بلولب، إذا أَطبق لم يُعلم أنه باب، يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت، كل بيت منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة، وكلها مقفلة بأقفال كاهنية، وحذاء كل بيت صنم من ذهب / مجوّف، إحدى يديه على فيه، في جبهته 4 ب كتابة بالمسند إذا قُرِئت انفتح فوه، فيؤخذ منه مفتاح ذلك القفل، فيفتح به.
¥