الهرم الأكبر ووصف ما يشاهده الناس اليوم , قال:) يقول مؤلف هذا الكتاب: دخلت إلى هذا الهرم وصعدت إليه ورأيت هذا الحوض ... ) انتهى المراد من كلامه.
ثم وصف الهروي بلاد الصعيد وما فيها من العجائب القديمة وذكر أنه شاهد المومياء , وجثث البشر والوحوش المحنطة ووصف جثث الجواري ولعلها اليوم ما يسمى بملكات مصر , ورأى الأموال ونحوها فتذكر قوله قوله تعالى: (ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون).
وينتقل الهروي بعد ذلك إلى أكثر قرى الصعيد فيف أثارها ومنها أخميم و أنصنا حتى يصل مكان في الأرض مليء بالآثار كما يقول الغرب اليوم وهي في الجنوب من مصر , وتمتلئ بألوف السياح من شتى أقطار الأرض , فيقول وكلامه هذا في القرن السادس الهجري ص (44): " مدينة الأقصر: بها من الآثار والقصور والأصنام وصور السباع والدواب مال م أر مثله في بلاد الصعيد ولا في غيرها , وذرعت يد صنم من الحجر المانع فكان من المرفق إلى مفصل الكف سبع أذرع , وكان في يدي سعفة من جريد النخل فعملتها قلماً وكتبت على صدر هذا الصنم: بسم الله الرحمن الرحيم " أولم أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " , وأرخت الكتابة فجاءت من ثدي الصنم إلى ثديه وكتبت تحت هذه الكتابة:
أين الجبابرة الأكاسرة الأولى ....... كنزوا الكنوز فما بقين ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه ....... حتى ثوى فحواه لحد مطبق
رحم الله من نظر واعتبر." انتهى المراد من كلامه رحمه الله.
وقد عَبّر ياقوت الحموي (وهو من أشهر أدباء وجغرافي المسلمين ومات في القرن السابع الهجري) عن عظمة الأهرام وشدة بنائها , وتكلم عن حيرة الناس في حلّ طلاسمها وأعاجيبها فقال في معجم البلدان (5/ 399): " هي أهرام كثيرة إلا أن المشهور منها اثنان واختلف الناس في أهرام مصر اختلافا جما وتكاد أن تكون حقيقة أقوالهم فيها كالمنام".وهذا الكلام في حقيقة بنائها وطريقته وهيئته عَبّر عنه كبير خبراء الآثار المصرية في العالم وهو الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، وقد كان سابقاً مدير آثار الجيزة حيث قال: " إن عدد النظريات العلمية حول الأهرام التي جمعتها المراكز المتخصصة بلغت خمسة ألآلف نظرية!! " , هذه حيرتهم هو ما عين ما عبر عنه الحموي بقوله إنها كالحلم الذي لا يمكن تصديقه ولا تكذيبه , وهذه المعلومات التي نراها في الصحف والمجلات والكتب , والأسماء الغريبة للملوك التي تكاد حروفها تختصم من شدة كونها متضادة في المخارج , وطريقة النطق لكثير من أسماء الرجال والنساء إنما هي نظريات تختلف قوة بعضها عن بعض , وهذه النظريات فرضت نفسها بقوة الإعلام وربما أثبت العلم بطلانها بعد زمن.
يستمر علماء الإسلام في معرفة قاعدة الهرم وطوله , وقد بينوه منذ فترات طويلة جداً , وهذا يدل على أن علم الآثار من العلوم التي عرفها المسلمون , ولكنهم لم يبالغوا فيها كما يفعله الغرب , ونرى ياقوت الحموي مثلاً يذكر قصة وأسماء غريبة مثل هذه الأسماء التي نقرأها اليوم للملوك الذين بنوا الأهرامات فيقول في قصة طويلة في محاورة مع أحد خبراء الأهرام في العصور القديمة , فيذكر أن ذلك الرجل قال: " قلنا لملكنا سوريد بن سهلوق مر ببناء افرونيات وقبر لك وقبور لأهل بيتك فبنى لنفسه الهرم الشرقي وبنى لأخيه هوجيب الهرم الغربي وبنى لابن هوجيب الهرم المؤزر وبنيت الافرونيات في أسفل مصر وأعلاها وكتبنا في حيطانها علما غامضا من معرفة النجوم وعللها والصنعة والهندسة والطب وغير ذلك مما ينفع ويضر ملخصا مفسرا لمن عرف كلامنا وكتابتنا". وهذا النص نقله الحموي من كتب غيره من علماء مصر وهو القضاعي , ضمن قصة طويلة لا تقل في أعجوبتها عما يذكره خبراء الآثار اليوم.
¥