ومن تتبع كتب البلدان والرحلات للمسلمين منذ القرن الخامس الهجري إلى اليوم سيرى ذكر الأهرام وصفة بنائها حتى قال الحموي " إن حجارتهما نقلت من الجبل الذي بين طرا وحلوان وهما قريتان من مصر وأثر ذلك باق إلى الآن ".
فقد عرف علماء المسلمين أموراً وذلك من خلال النصوص الكثيرة التي نقلوها لنا من خلال مشاهدتهم الخاصة , أو من خلال النقل من الكتب عن غيرهم نذكرها إجمالاً:
• عرفوا الأهرام وتعدادها وأنها بالعشرات تمتد على شريط النيل حتى تصل إلى أقصى جنوب مصر بل السودان.
• وعرفوا أيضا أنها مقابر للملوك والعظماء والوزراء , ووصلوا لتوابيتهم واستطاعوا فتحها ورأوا الجثث وكتبوا عن ذلك.
• وصفوا عظمة بنائها وطريقة هندستها وقاسوا مسافاتها كاملة , فقالوا: " ومن عجائب مصر أمر الهرمين الكبيرين في جانبها الغربي ولا يعلم في الدنيا حجر على حجر أعلى ولا أوسع منها طولها في الأرض أربعمائة ذراع في أربعمائة وكذلك علوها أربعمائة ذراع ".
• وسألوا وبحثوا عن الحجارة من أين جاءت؟ وكيف حملت؟.
• وبحثوا في كتب السابقين عن أخبار الأهرامات ودونوا ذلك بعناية وأمانة.
• وكتبوا عن أثار مصر من شمالها إلى جنوبها بدقة , غير مبالين بضغط الواقع للعلماء في الأقطار الأخرى البعيدة , وهو الأمر الذي جعل بعض الناس في تلك العصور يكذب ما يقرأ لبعدهم عن المكان وعدم تصورهم عظمة ذلك.
• ومن جميل وصفهم قول بعضهم: " ليس من شيء إلا وأنا أرحمه من الدهر إلا الهرمين فإني أرحم الدهر منهما ".
• لقد حاول نابليون تفجير أبي الهول بمدافع وطلقات عديدة أثرت في وجهه ولم يشتمه الرحالة الأوربيون لأنه من أبناء دينهم ويتكلم بلغتهم ويعتقد ثقافتهم الهمجية , ولو فعل بعض المسلمين عشر معشار ذلك لقامت الدنيا ولم تقعد عليهم ولصفهم الناس بالرجعيين والمتخلفين وغير ذلك , ولكن المسلمين رأوا أنه لا فائدة ولا مضرة من هدمه , فتركوه شاهداً على أمم سابقة وماضية حيث أنه لم يكن صنماً معبوداً أو إلهاً في غابر الدهر.
ونعود لياقوت الحموي حيث قال عنهما: " وقد رأيت الهرمين وقلت لمن كان في صحبتي غير مرة إن الذي يتصور في ذهني أنه لو اجتمع كل من بأرض مصر من أولها إلى آخرها على سعتها وكثرة أهلها وصمدوا بأنفسهم عشر سنين مجتهدين لما أمكنهم أن يعملوا مثل الهرمين وما سمعت بشيء تعظم عمارته فجئته إلا ورأيته دون صفته إلا الهرمين فإن رؤيتهما أعظم من صفتهما " , هذا وصف ياقوت قبل ثمانمائة سنة وهو ما ينقدح في قلب كل زائر وسائح اليوم.
وهكذا وصفها ابن جبير في رحلته المشهورة , ووصفها ابن الوردي في كتابه خريدة العجائب وأطال جداً في وصفها وبقية الآثار وغيرهم كثير ..
ومن العجائب والطرائف عن اعتقاد قليل من الجهلة في أبي الهول مثلاً ما ذكره الصفدي عن القسطلاني عالم الحديث المصري المتوفى سنة (686) وهو شيخ الحديث بالقاهرة , فقد شاهد في عصره أمراً عجيباً , عند الأهرامات عجباً مثل ذهابهم لأبي الهول وطلبهم منه بعض الحاجات فأذكر كلاماً للصفدي في الوافي بالوفيات:
" وكان يتوجه إلى أبي الهول الذي عند أهرام مصر، وهو رأس الصنم الذي هناك، ويعلو رأسه ويضربه باللالكة، ويقول: يا أبا الهول، افعل كذا، افعل كذا، لأن جماعة من أهل مصر يزعمون أن الشمس إذا كانت في الحمل وتوجه أحدهم إلى أبي الهول، وبخر _ بشكاعى وباذاورد _ (قلت وهي من أنواع البخور)، ووقف عليه وقال ثلاثاً وثلاثين مرة كلمات يحفظونها، وقال معها: يا أبا الهول افعل كذا، فزعموا أن ذلك يتفق وقوعه، وكان الشيخ قطب الدين يفعل ذلك إهانة لأبي الهول وعكساً لذلك المقصد الفاسد؛ لأن تلك الكلمات ربما تكون تعظيماً له ضرورة." انتهى ما ذكره الصفدي في الوافي بالوفيات (1/ 205).
وما نقلته عن معرفة المسلمين للأهرام إنما هو خواطر , ولو تتبعنا البحث لجاء في صفحات كثيرة جداً , فلا يمكن أن يعيشوا في بلد ثم لا يوجد منهم من يصف البلد وغرائبها وعجائبها وهم سادة التاريخ في العالم اليوم , وهكذا عرف المسلون الأهرام وكتبوا عنها بدون أن يبالغوا أو يجعلوا قولهم هو الحجة القاطعة التي لا تحتمل الخطأ , بل التمسوا الأقوال الأخرى التي نسميها اليوم بالنظريات ودونوها للتاريخ والعظة والعبرة.
¥