تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمعرفة أسرار الأهرام وصفتها ليست قرآناً لا يحتمل الخطأ بلهي عرضة للنقد والتحليل , ثم إن معرفتها أو جهلها لا يضر الناس شيئاً , بل هو من الترف العلمي الذي احتاج الناس إليه اليوم , وهي عند المسلمين من ملح العلم ولطائفه وليست غاية وهدفاً تفنى الأعمار في تحصيله , وربما وجد البعض من الأوربيين فيها هرباً من دينه الذي يعتقده إلى دين غامض لا يدري كنهه ومنتهاه.

وإذا شارفنا على الانتهاء من موضوع الأهرامات , فندع بعض الوصف للمقريزي الذي توفي سنة (845هـ) , وهو شيخ مؤرخي مصر والقاهرة , ليصف لنا بعض ما شاهده وسمع به , وأنقل بعض كلامه على طوله ليكون أنيساً للناس وسميراً لهم أن أجدادهم عرفوا خبر هذه الأهرام قبل الغرب الهمجي بمئات السنين.

يقول المقريزي في المواعظ والإعتبار وهو كتاب يصف فيه القاهرة ومصر , ص (1/ 151):

" وأمّا الأهرام المتحدّث عنها فهي: ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط، وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشرف، واثنان عظيمان جدّاً في قدر واحد، وهما متقاربان ومبنيان بالحجارة البيض، وأما الثالث: فصغير عنهما نحو الربع لكنه مبنيّ بحجارة الصوّان الأحمر المنقط الشديد القوّة والصلابة، ولا يكاد يؤثر فيه الحديد إلا في الزمان الطويل، وتجده صغيراً بالقياس إلى ذينك فإذا أتيت إليه وأفردته بالنظر هالك مرآه وحَير النظر في تأمله.

وقد سلك في بناء الأهرام، طريق عجيب من الشكل والإتقان، ولذلك صبرت على ممرّ الأيام لا بل على ممرّها صبر الزمان، فإنك إذا تأملتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها، والعقول الصافية قد أفرغت عليها مجهودها والأنفس النيرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها، والملكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثالاً في غاية إمكانها، حتى أنها تكاد تحدث عن قوّة قومها، وتخبر عن سيرتهم، وتنطق عن علومهم، وأذهانهم وتترجم عن سيرهم، وأخبارهم، وذلك أن وضعها على شكل مخروط ويبتدئ من قاعدة مربعة، وينتهي إلى نقطة. ومن خواص الشكل المخروط: أن مركز ثقله في وسطه يتساند على نفسه، ويتواقع على ذاته ويتحامل بعضه على بعض، وليس له جهة أخرى يتساقط عليها.

ومن عجيب وضعه، أنه شكل مربع قد قوبل بزوايا مهاب الرياح الأربع، فإن الريح تنكسر سورتها عند مسامتتها الزاوية، وليست كذلك عندما تلقي السطح.

وذكر المساح: أنَّ قاعدة كل من الهرمين العظيمين أربعمائة ذراع بالذراع السوداء، وينقطع المخروط في أعلاه عند سطح مساحته عشرة أذرع في مثلها، وذكر أن بعض الرماة رمى سهماً في قطر أحدهما، وفي سمكه فسقط السهم دون نصف المسافة، وذكر أنَّ ذرع سطحها أحد عشر ذراعاً بذراع اليد، وفي أحد هذين الهرمين، مدخل يلجه الناس يفضي بهم إلى مسالك ضيقة وأسراب متنافذة وآبار ومهالك، وغير ذلك على ما يحكيه من يلجه، وإنَّ أناساً كثيرين لهم غرام به وتحيل فيه فيتوغلون في أعماقه، ولا بدّ أن ينتهوا إلى ما يعجزون عن سلوكه.

وأما المسلوك المطروق كثيراً، فزلاقة تفضي إلى أعلاه، فيوجد فيه بيت مربع فيه ناوس من حجر، وهذا المدخل ليس هو الباب في أصل البناء، إنما هو منقوب نقباً صادف اتفاقاً، وذكر أن المأمون فتحه.

وحكى من دخله وصعد إلى البيت الذي في أعلاه فلما نزلوا حدّثوا بعظيم ما شاهدوه، وإنه مملوء بالخفافيش وأبوالها وتعظم فيه حتى تكون قدر الحمام، وفيه طاقات وروازن نحو أعلاه كأنها عملت مسالك للريح ومنافذ للضوء بحجارة جافية طول الحجر منها: من عشرة أذرع إلى عشرين ذراعاً، وسمكه من ذراعين إلى ثلاثة أذرع، وعرضه نحو ذلك.

والعجب كل العجب من وضع الحجر على الحجر بهندام ليس في الإمكان أصح منه بحيث لا نجد بينهما مدخل إبرة ولا خلل شعرة، وبينهما طين لونه الزرقة لا يُدرى ما هو؟ ولا صفته؟ وعلى تلك الحجارة كتابات بالقلم القديم المجهول الذي لم يوجد بديار مصر من يزعم أنه سمع من يعرفه، وهذه الكتابات كثيرة جدّاً حتى لو نقل ما عليها إلى صحف لكانت قدر عشرة آلاف صحيفة، وقرأت في بعض كتب الصابئة القَديمة: أن أحد هذين الهرمين، قبر أعاديمون، والآخر قبر هرمس، ويزعمون أنهما بيتان عظيمان، وأن أعاديمون أقدم وأعظم وإنَّه كان يُحجج إليهما ويُهدى إليهما من أقطار البلاد ... " انتهى المراد من كلام المقريزي باختصار وفي كتابه عموماً وصف عام ماتع لأثار مصر من شمالها لجنوبها.

وقد أنشد العرب في الأهرامات وشأنها الأشعار , وقد قال بعضهم:

انظر إلى الهرمين واسمع منهما ... ما يرويان عن الزمان الغابر

لو ينطقان لخبّرانا بالذي ... فعل الزمان بأوّلٍ وبآخر

وقال غيره:

خليلي ما تحت السماء بنيّةٌ ... تناسب في إتقانها هرمي مصر

بناء يخاف الدهر منه ... وكل على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر

وقال آخر:

أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه، ما يومه، ما المصرع؟

تتخلّف الآثار عن أصحابها ... حيناً ويدركها الفناء فتصرع

وكتبه:

خضر بن سند ... عفا الله عنه

جدة: 4/ 4/1430

وهذا رابط المقال والتعليقات لمن أراد الزيادة ....

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=168063 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=168063)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير