الجواب: سبقت الإشارة إلى أن معنى "أذن" ليس هو التجسس، وإنما الاغترار بما يقال، وأن هذا التفسير الخاطئ انتقل مع المادة المستعارة كما هو. لكن لماذا قال المنافقون عن النبي أنه أذن؟ يقول الإمام البغوي رحمه الله (نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون النبي ويقولون ما لا ينبغي، فقال بعضهم "لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا" فقال الجلاس بن سويد منهم: "بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا بما نقول، فإنما محمد أُذُن").
وهذا يعني يعني أن المنافقين يعتذرون عن أقوالهم إذا بلغت النبي، وليسو يمنحون عنها حرية الرأي! ولذلك عقب القرآن بعد هذه الآية مباشرة بقوله عنهم (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ).
6 - الآية السادسة: يقول الكاتب: وكانوا يُظهرون البغضاء للمؤمنين: "قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ").
الجواب: سبقت الإشارة إلى أن هذه الآية الأشبه أن تكون في أهل الكتاب، وهو ما مال إليه جماهير المفسرين، وأن صياغة الشبهة بهذا الشكل الأرجح عندي أنه مما تسرب مع عملية الترحيل الغامضة من كتاب زائر الوسطية.
7 - الآية السابعة: يقول الكاتب: وكانوا يصدون عن رسول الله ويستكبرون عليه: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ")
الجواب: يقول ابن كثير رحمه الله عن سياق هذه الآيات (وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد الله بن أبي بن سلول). وقد أنكر ابن أبي مانقل عنه لرسول الله كما يقول قتادة (فدعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك). وابن أبي عموماً كما جاء في الخبر (كان إذا جلس النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال: أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم، فانصروه وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا). ثم إن سياق الآيات التي سبقت هذه الآية ذلك تشير لذلك حيث جاء فيها (قالو نشهد إنك لرسول الله) (اتخذوا أيمانهم جنة) (وإن يقولوا تسمع لقولهم). ثم إن ابن أبي لما خشي النبي وقوع الفتنة بقتله بسبب كونه سيداً في قومه قبل الإسلام صار هذا مانعاً شرعياً راجحاً في ذلك الظرف الزمني المؤقت. والخلاصة أن هذه الواقعة التي حكاها القرآن لاصلة لها بحرية الرأي المزعومة بل واقعة لها ملابساتها الخاصة المختلفة.
8 - الآية الثامنة: يقول الكاتب (وكانوا يتآمرون على رسول الله: "هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا").
الجواب: واضح قطعاً أن الكاتب لم يراجع أي كتاب تفسير حين احتج بهذه الآية! ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نقلت له مقالة المنافقين هذه قام بعملية تحقيق، واستدعى الأطراف المبلغ عنهم، لكن المنافقين أنكرو وجحدو، روى البخاري في صحيحه قال:
(عن زيد بن أرقم قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي يقول "لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل" فذكرت ذلك لعمي، أو لعمر، فذكره للنبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا فكذبني رسول الله وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي "ما أردت إلى أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ "، فأنزل الله تعالى "إذا جاءك المنافقون" فبعث إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأ فقال: إن الله قد صدقك يا زيد)
وكون النبي يستدعي الأطراف ويحقق معهم، فهذا يعني أن هذه الآية دليل على المساءلة والتحقيق في الأقوال المخالفة للشريعة، وليست دليلاً على حرية الكفر، ولكن النبي لما أنكرو عاملهم بظاهرهم.
9 - الآية التاسعة: يقول الكاتب: بل ويكفُرُون بموعود الله وحديث رسوله: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورا")
¥