تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكون هؤلاء وافقوا أهل السنة في بقية أصول السنة هذا لايمنع كونهم من أصحاب المحدثات، فإن كثيراً من القدرية (المنكرين لكون الله يقدّر المعاصي كوناً) وافقوا أهل السنة في بقية أصول الإيمان كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وفي تقدير الطاعات والصحابة ونحو ذلك، ولكنهم خالفوا أهل السنة في جزء من القدر وهو تقدير المعاصي، ومع ذلك عدهم السلف من أهل الأهواء وأهل البدع وأهل المحدثات في دين الله، وهكذا فإن هذه الطوائف الفكرية برغم كونها وافقت أهل السنة في بعض أصول الدين، لكنها خالفت أهل السنة في عدة أصول من أصول التلقي والاستدلال وبعض الأصول التشريعية، وهذه العقوبات الشرعية التي أنكروها مجرد نموذج لذلك، فهم أهل إحداث وابتداع في دين الله، وأهل أهواء.

وبعض هؤلاء الذين يحتجون بهذه الشبهة يقولون إذا اختار المجتمع هذه العقوبات الشرعية فيجب تطبيقها، يظنون بذلك أنهم يتخلصون من شناعة قولهم، وماعلموا أن هذا أفظع شناعة، فإن هذه العقوبات الشرعية حين أتت بكتاب الله وسنة نبيه ردوها واستثقلوها ورأو أن فيها تقييداً للحرية وضيق أفق، وحين أقرها المجتمع التزموا بها، فصار تشريع الشعب فوق تشريع الله ورسوله، وهذا هو مؤدى مفهوم الديمقراطية الذي حذر منه الربانيون من أهل العلم، وقد كان الديمقراطيون ينكرونه نظرياً لكنهم الآن يعلنونه عملياً، أعني كون مصدر التشريع هو الشعب وليس رب الشعوب سبحانه وتعالى.

ثم إنه من الغرائب أن يقال أن المجتمع إذا اختار حماية عقيدته فيجب الالتزام بخيار المجتمع، فكيف يضيّق المجتمع على الحريات التي كفلها الشرع في نظركم؟ أنتم ترون النبي كفل الحرية للكفر والقذف والزندقة والردة والتأليب على المسلمين، فكيف يسوغ للمجتمع أن يضيق هذه الحريات التي كفلها رسول الله؟! هل نحن أغير على العقيدة من رسول الله؟!

وأما قول القائل "أنتم في ورطة مع النصوص الشرعية" فهذا قَلَب المشكلة، بل الذي في ورطة مع النصوص الشرعية هو من فسرها بما يؤول إلى إلغاء العقوبات الشرعية وشعيرة الحسبة والإنكار، وأما من فسرها بشكل يتسق مع بقية النصوص الأخرى، ويتسق مع فقه أصحاب النبي وأئمة أهل السنة؛ فهذا في راحة وانسجام، وليس في ورطة.

ويشهد الله وحده أنه لما نشرت مجلة العصر المقالة التي تشوش على فتيا الشيخ الإمام عبدالرحمن البراك في خالص جلبي فإنه قد نازعتني نفسي في الرد، لكني توقفت لاعتبارات نفسية معينة كنت أداريها، ولكن لما صدرت الآن المقالة الثانية قبل أمس في مجلة العصر، فصار كتاب أشواق الحرية والمقالتان اللتان أعقبتاه كلها تكرر نفس الشبهة (حرية المنافقين) والمستعارة من دردشات زائر الوسطية بذات أخطائها؛ شعرت حينذاك بأن الشبهة بحاجة لتفكيك علمي وأنه لامكان للمجاملات في دين الله، لكني لا أناقش إلا شيئاً منشوراً ولا أستغل -بإذن الله- ما أفضى به إلي صديق بشكل خاص في الرد عليه، فالعلاقات الشخصية شئ، والأقوال المنشورة شئ آخر، وهذا مبدأ من مبادئ المروءة أتمنى أن أبقى عليه ماحييت.

والحقيقة أنه من أكثر ما آلمني أنني ألاحظ اليوم تقصير النظام السياسي الحالي في الأخذ على يد السفهاء لردعهم عن العبث بالأحكام الشرعية في قنواتنا وصحافتنا، فلا أعرف حكماً شرعياً يتعارض مع الثقافة الغربية إلا وقد كتبت صحافتنا المحلية في تنقصه وتسفيهه وتحريفه، ومع ذلك لايزال النظام السياسي المحلي لم يتخذ بحق هؤلاء الروادع الشرعية المطلوبة، ثم يأتينا الآن من يسمون أنفسهم التنويريين والاصلاحيين ويقدمون للسياسي شرعنة للمزيد من حرية الزندقة! وكأننا سننهض إذا أتحنا المزيد للكفر وسب الرسول وشتم الصحابة!

هذه الكتابات التي تسميها نفسها تنويراً وإصلاحاً لم تصلح الخلل السياسي، ولم تدع الشريعة في حالها.

والله أعلم

إبراهيم السكران

http://islamlight.ccell.mobi/index.php?option=*******&task=view&id=19348&Itemid=34

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير