تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذا قصد التعليم كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب الشافعي، وغيرهم، وليس معهم في ذلك سنة، إلا مجرد كون الدعاء مشروعاً، وهو عقب الصلوات يكون أقرب إلى الإجابة، وهذا الذي ذكروه قد اعتبره الشارع في صلب الصلاة.

فالدعاء في آخرها قبل الخروج مشروع مسنون بالسنة، واتفاق المسلمين، بل قد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن الدعاء في آخرها واجب قال ابن تيمية - رحمه الله -: "والمناسبة الاعتبارية فيه ظاهرة، فإن المصلي يناجي ربه، فما دام في الصلاة لم ينصرف فإنه يناجي ربه، فالدعاء مناسب لحاله، أما إذا انصرف إلى الناس من مناجاة الله لم يكن موطن مناجاة له ودعاء، وإنما هو موطن ذكر له، وثناء عليه، فالمناجاة والدعاء حين الإقبال والتوجه إلى الله في الصلاة، أما حال الانصراف فالثناء والذكر أولى"19.

ولذلك نجد شيخ الإسلام يرجح أن دبر الصلاة يراد به آخر جزء منها، وقد يراد به ما يلي آخر جزء منها، كما في دبر الإنسان فإنه آخر جزء منه، قال - رحمه الله -: "فالدعاء المذكور في دبر الصلاة إما أن يراد به آخر جزء منها؛ ليوافق بقية الأحاديث، أو يراد به ما يلي آخرها، ويكون ذلك ما بعد التشهد، أو يكون مطلقاً أو مجملاً، وبكل حال فلا يجوز أن يخص به ما بعد السلام؛ لأن عامة الأدعية المأثورة كانت قبل ذلك، ولا يجوز أن يشرع سنة بلفظ مجمل يخالف السنة المتواترة بالألفاظ الصريحة) 20.

ومن كل ما سبق يمكن تلخيص رأي شيخ الإسلام في هذه المسألة في النقاط الآتية:

1 - أن محل الدعاء قبل السلام لا بعد السلام، وأن الصلاة كلها محل دعاء.

2 - أن الأحاديث التي جاءت في الأدعية دبر الصلاة ينبغي أن تحمل على ما قبل السلام، لأن دبر كل شيء جزء منه.

3 - لا يجوز أن يقال بسنية الدعاء بعد الصلاة؛ لأن ذلك تشريع لسنة بلفظ مجمل وهو "دبر الصلاة" هذا، مع تجويزه لأن يراد بدبر الصلاة ما بعدها أيضاً.

أما تلميذه ابن القيم - رحمه الله - فقد تناول هذه المسألة في كتابه زاد المعاد، ويحسن بنا أن ننقل نص كلامه لنكون على بينة من مذهبه في المسألة، وحتى لا ينسب إليه - رحمه الله - ما لم يره، قال في زاد المعاد في هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة: "وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه - صلى الله عليه وسلم - أصلاً، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضاً من السنة بعدهما، والله أعلم.

وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه، والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته، والقرب منه، والإقبال عليه، ثم يسأل إذا انصرف عنه، ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر الله وهلله، وسبحه، وحمده، وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة؛ استحب له أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه، وصلى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - استحب له الدعاء عقيب ذلك كما في حديث فضالة بن عبيد: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليدع بما شاء)) 21 قال الترمذي: حديث صحيح"22، وهذا نص كلامه - رحمه الله، وهو عين ما قاله الإمام ابن تيمية.

غير أنا نراه بعد صفحات قلائل يذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو إذا سلم من الصلاة، وذكر بعض أدعيته مثل حديث معاذ: ((اللهم أعني على ذكرك))، وحديث علي بن أبي طالب ((كان إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ... )) 23، قال بعده: "هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه مسلم في استفتاحه - عليه الصلاة والسلام -، وما كان يقوله في ركوعه، سجوده، ولمسلم فيه لفظان أحدهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوله بين التشهد والتسليم، وهذا هو الصواب، والثاني: كان يقوله بعد السلام، ولعله كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير