تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقوله في الموضعين. والله أعلم"24.

وقال عقيب إيراد ((حديث معاذ حين أوصاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه كدبر الحيوان"25، ويبدو والله أعلم أن الإمام ابن القيم متجاذب بين متابعته لشيخه وبين نظره إلى الأحاديث، مما حدا به إلى التوفيق بين قول شيخه الإمام، ودلالات الحديث التي ذكرها في الزاد، وعقد له فصلاً في بيان ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله بعد انصرافه من صلاته، والتجاذب الذي كان ابن القيم - رحمه الله - واقعاً تحت تأثيره يشير إليه، ويوحي به قوله - رحمه الله -: "ودبر الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: "دبر كل شيء منه كدبر الحيوان"، وإذن فقد كان ابن القيم يراجع شيخه في تفسيره لمدلول "دبر الصلاة"، والمراجعة تعني ولا شك أنه كان يرى رأياً غير رأي شيخه، وأنه كان يناقشه فيه؟ ولذلك جاء بتلك "النكتة اللطيفة" في تجويزه بل استحبابه لدعاء المصلي بعد أن يفرغ من صلاته، وأذكاره المشروعة، وقوله: إن هذا الدعاء المستحب ليس لكونه واقعاً دبر الصلاة، ولكن لكونه بعد الأذكار المشروعة، والصلاة والسلام على رسول الله، ومع ذلك فقد فهم منه بعض الناس أنه يمنع من الدعاء بعد الصلاة مطلقاً قال ابن حجر: "وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقاً، وليس كذلك، فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال القبلة، وإيراده بعد السلام، أما إذا انفتل بوجهه، وقدم الأذكار المشروعة؛ فلا يمتنع عنده"26.

وبعد هذا العرض لمذهب شيخ الإسلام وتلميذه نقول: أما ما ذهب إليه ابن تيمية - رحمه الله - من منع الدعاء الجماعي من الإمام والمأمومين فحق لا ريب فيه، ولا مناقشة في هذا، لأنه كما قال شيخ الإسلام: لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من هذا، ولو كان هناك شيء منه لنقل.

وأما قوله وقول ابن القيم - رحمهما الله تعالى -: أن المشروع بعد الصلاة الذكر المشروع من الاستغفار والتسبيح، والتحميد والتهليل، والتكبير؛ فهذا أيضاً حق واضح، وشرع بيِّن، وسنة متواترة، ولكنه لا يمنع من الدعاء بعد الصلاة.

والمناقشة إنما هي في قول شيخ الإسلام وقول ابن القيم: أن الدعاء بعد السلام ليس بمشروع، بناء على أن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما ورد عنه من الدعاء دبر الصلاة معناه قبل السلام منها، وأن اللائق بحال المصلي أن يدعو في الصلاة لا خارجها.

فأما قولهما: إن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فيرده ما أورده ابن القيم من بعض الأحاديث منها: قوله27: وقد ذكر أبو حاتم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند انصرافه من صلاته: ((اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) 28، وعن أبي أيوب أنه قال: ما صليت وراء نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إلا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول: ((اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها، اللهم أنعمني وأحيني، وارزقني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها إلا أنت، ولا يصرف عن سيئها إلا أنت)) 29، وعن الحارث بن مسلم التميمي قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار سبع مرات، فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم: اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار)) 30.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير