إن المتطفل على مسألة شرعية ليس لها أهل كالمقحم نفسه في مسألة طبية بجهل، بل إن علم الشريعة أشد خطرا وأعظم أثرا من علم الطب؛ إذ تصلح بهذا الأبدان وذاك تصلح به الأديان، وإذا تعين منع من لا يحسن التطبب من مداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟!
قال الإمام ابن حزم - رحمه الله -: " ولا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها؛ فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون "
إننا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى خالص ديننا ويموت فيه كبار علمائنا ويتفلت بعض أبناء المسلمين من أصول الدين فضلا عن فروعه .. إلا أننا نرى علماء الشريعة في أكثر ديار الإسلام قد تناوب على الحط من أقدارهم الأقزام وأصبح التنافس في التنقص منهم مهنة انتقام.
أيها المسلمون .. ياأيها المسلمون في كل بلاد الإسلام: إن الوقوف إلى علماء الشريعة في هذا الوقت -وفي هذا الوقت بالذات - لو لم يكن الإسلام يستدعيه لكانت السياسة توجبه وتقتضيه ومصلحة الدنيا قبل الآخرة تومئ إليه وتستدعيه.
نعم .. أخطاء العلماء واردة وزلاتهم متصورة وشذوذاتهم مردودة وأخطاء العامة في فهم كلامهم أكثر ورودا وقصور فهم غير المختصين أكثر شيوعا .. إلا أنه على كل الأحوال تبقى للعالم حرمته وللعلم حرمه؛ فالعلماء هم نجوم الأرض يهتدى بهم في ظلمات الجهل .. إن ظهروا اهتدى وإن غابوا تحيروا، خير من وطئ الثرى وأحسن المكلفين عاقبة إن قاموا بأمر الله ومن أسوئهم إن فرطوا وخالفوا.
إن العالم يجتهد فيخطئ ويصيب ويوفق وقد لا يحالفه التوفيق .. ولكن صواب العلماء أكثر من خطئهم وتوفيقهم أضعاف زللهم، وهم في ذلك بين الأجر والأجرين، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ..
أما غير العالم فهو آثم وإن اجتهد مخطئ ولو أصاب لأنه ليس من أهل الفتوى، فما له وللتكلم فيما لا يدريه .. والدخول فيما لا يعنيه؟ وحق مثل هذا أن يلزم السكوت.
ويا أيها الناس: لا تشمتوا فيكم عدوا ولا حاسدا ولا تتقحموا أمرا لا يزيدكم الخوض فيه إلا فرقة ولا يزيد أفهامكم إلا بلبلة ولا نفوسكم إلا تنافرا، كفوا فقد كُفِيتم وانتهوا عن الاختلاف فقد نُهِيتم، وترسموا خطى من عز عليه دينه وغلت عنده ذمته فلم يسلمها إلا لمن يعتقد أنه يقوده إلى رضا الله وجنته ..
إن فتاوى العلماء لا تموت بموتهم، ارضوا لأنفسكم ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا، ولقد تكلموا فما دونهم مقصر وما فوقهم محسِّر، وإنهم مع ذلك لعلى صراط مستقيم ..
واحذروا من حذركم منهم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " سيكون في آخر أمتي أناسا يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم؛ فإياكم وإياهم " أخرجه مسلم ..
قال الإمام النووي - رحمه الله -: " ولا يُتَعلَّم إلا ممن كمُلت أهليته وظهرت ديانته وتحققت معرفته واشتُهِرت صيانته" ..
وفي الأثر: " دينك دينك .. إنما هو لحمك ودمك؛ فانظر عمن تأخذ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا " ..
قال النخعي - رحمه الله -: " كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل نظر في صلاته وفي حاله وفي سمته ثم يأخذ عنه".
وياأهل العلم: استقيموا فقد سُبِقتم سبقا بعيدا .. فإن أخذتم يمنيا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ..
أين الورع؟ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77 سورة آل عمران)،وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78 سورة آل عمران)، فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا
¥