يَكْسِبُونَ (79 سورة البقرة) ..
واخشوا يوما قال الله فيه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ* وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61 سورة الزمر).
وليس كل ما يُعلَم يقال ولا كل حق يذاع .. روى الإمام مسلم بسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "ما أنت بمحدِّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " ..
فهذا أثر من معين حكمة أحد مبلغي الشريعة الكبار وفقهائها العظام وأحد أساطين علوم الإسلام .. فيه درس لكل عالم وحكمة لكل داع؛ خصوصا عندما يضعف الدين في كثير من النفوس وتتأبى بعض العقول على التسليم للنصوص ..
إن العالم لا يعين الناس على الافتنان، فكم ممن هو على شفا جرف هار، والأمة اليوم في حاجة إلى التثبيت لا التشتيت وإلا الاجتماع لا الفرقة ..
وقبل ذلك وبعده فإن قلوبنا ملأى بالرضا عما جاء عن الله والتسليم بما صح عن رسول الله، لا نطأطئ بذلك رأسا ولا نتمحل له عذرا .. فكم طوت الأيام من ساخط وما زال الدين منتشرا وظاهرا ..
والبلاء مكتوب على الخلق، والسعيد من ثبت، والله الموعد، و يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39 سورة غافر).
اللهم ألن قلوبنا لوحيك، وذلل جوارحنا لشرعك، وأفِض على نفوسنا من برد اليقين ما يجعل حياتنا مطمئنة وعن عواج الشكوك مستكنة، واجعل مثوانا ومنقلبنا إلى الجنة ..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
أقول قولي هذا واستغفر الله - تعالى - لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله. الحمد لله ولي الصالحين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ..
أيها المسلمون: وفي معرض قضايا الأمة الكبرى فإنه لا يمكن لأحد أن يغفل عن مشهد الحصار في فلسطين والاحتلال المستمر والتحدي السافر للمبادئ والقوانين، ويأبى القتلة إلا أن يستمروا في القتل، ويوما بعد يوم يؤكدون على أرض الواقع ما وصفهم به القرآن وأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا.
فها هي سفائن الحرية المتجهة إلى غزة تقاد للأسر وحاملوا أمل الحياة لأهل غزة تسلب حياتهم .. ترى الأدوية في المراكب متناثرة وألعاب الأطفال مبعثرة كأنما هو حرام على أهل غزة أن يتداووا وجريمة أن يلعب أطفال غزة كما يلعب الصغار ..
ولسنا بصدد الوصف، فقد رأى العالم كله ما جرى وأبصر ..
إن على العرب والمسلمين أن يعوا أن الحصار المفروض على غزة ليس حصارا على أهل غزة فحسب .. وإنما هو حصار على كرامة الأمة وإرادتها، هو تحد لكل حر في العالم .. هو اختبار لدعاة الحقوق وحماتها .. هو فضح لكل الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بالإنسان وكرامته .. هو صفعة لكل دولة حامية لذلك الكيان أو راعية لتلك الشراذم أو حتى مبررة لجرائمهم ومعتذرة لاعتداءاتهم، " ومن أمن العقوبة أساء الأدب ".
إن فك الحصار عن أهل غزة فرض كفائي على الأمة وأمانة في عنق كل حر شريف في هذا العالم، يجب ألا تدخر الأمة وسعا في ذلك وأن تستنفذ كل قواها السياسية والاقتصادية لرفع الظلم وفك الحصار وإنهاء الاحتلال ..
إن الرضا بهذه الحال مؤذن بعقوبة معجلة من الله، وإنه لمؤشر على ضعف الإيمان؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد: " واللهِ لا يؤمنُ مَنْ باتَ شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهُو يعلَم ".
إن قهر الشعوب واضطهاد الأمم وتوالي المظالم من أقصر الأحوال عمرا وأسرعها رجوعا على الظالم، وقد خلت من قبل المثلات، ولنا في التاريخ عبر وآيات ..
إن استمرار هذه الحال مذكية للعداء بين الشعوب مميتة لكل دعوة للسلم والتقريب مفسدة لكل نشاط يبشر بحسن النوايا بين الأمم ..
¥