الفَرْقُ بين الاختلاف والافتراق - أ. د. ناصر العُمُر
ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[15 - 06 - 10, 11:53 م]ـ
الفرق بين الاختلاف والافتراق أمر مُهم جداً، وينبغي أن يُعنى به أهل العِلم، لأن كثيراً من الناس خاصة بعض الدُعاة وبعض طُلاب العلم الذين لم يكتمل فقههم في الدين، لا يُفَرقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق، ومن هُنا قد يُرتب بعضهم على مسائل الاختلاف أحكام الافتراق، وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكُم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟
مِن هُنا كان لابد من ذِكر بعض الفُروق بين الاختلاف والافتراق، وسأذكر خمسة فُروق على سبيل المِثال لا على سبيل الحصر:
الفرق الأول: أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف، بل هو من ثمار الخلاف، إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق وقد لا يصل، فالافتراق اختلاف وزيادة، لكن ليس كُل اختلاف افتراقاً، وينبني على هذا الفرق الثاني.
الفرق الثاني: وهو أنه ليس كُل اختلاف افتراقاً، بل كُل افتراق اختلاف، فكثير من المسائل التي يَتنازع فيها المُسلمون هي من المسائل الخلافية، ولا يجوز الحُكم على المُخالِف فيها بالكُفر ولا المُفارقة ولا الخُروج مِن السُنَّة.
الفرق الثالث: أن الافتراق لا يكون إلا على أُصول كُبرى، أي أُصول الدين التي لا يسع الخِلاف فيها، والتي ثبتت بِنَص قاطع أو بإجماع، أو استقرت منهجاً عملياً لأهل السُنَّة والجماعة لا يختلِفون عليه، فما كان كذلك فَهُوَ أصل، من خالَفَ فيه فَهُوَ مُفتَرِق، أما ما دون ذلك فإنه يكون من باب الاختلاف.
فالاختلاف يكون فيما دون الأصول مما يقبل التعدد في الرأي، ويقبل الاجتهاد، ويحتمل ذلك كله، وتكون لهُ مُسَوِّغات عند قائله، أو يحتمل فيه الجهل والإكراه والتأوُّل، وذلك في أمور الاجتهادات والفرعيات، ويكون في بعض الأصول التي يُعذَر فيها بالعوارض عند المُعتبَرين من أئمة الدين. والفرعيات أحياناً قد تكون: في مسائل العقيدة التي يُتَّفق على أصولها ويُختلَف عل جزئياتها، كإجماع الأمة على وقوع الإسراء والمعراج واختلافهم وتنازعهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فيه، هل كانت عينية أو قلبية؟
الفرق الرابع: أن الاختلاف يكون عن اجتهاد وعن حُسن نية ويُؤجر عليه المُخطيء ما دام مُتحرياً للحق، والمُصيب أكثر أجراً، وقد يُحمد المُخطيء على الاجتهاد أيضاً، أما إذا وصل إلى حد الافتراق فَهُوَ مذموم كله. بينما الافتراق لا يكون عن اجتهاد ولا عن حُسن نية، وصاحبه لا يُؤجر بل هو مذموم وآثم على كُل حال، ومن هنا فَهُوَ لا يكون إلا عن ابتداع أو عن اتباع هوى، أو تقليد مذموم، أو جهل مطبق.
الفرق الخامس: أن الافتراق يتعلق به الوعيد وكله شذوذ وهلكة. أما الاختلاف فليس كذلك مهما بلغ الخلاف بين المُسلمين في أمور يسع فيها الاجتهاد، أو يكون صاحب الرأي المُخالِف له مسوغ أو يحتمل أن يكون قال الرأي المُخالِف عن جهل بالدليل ولم تقُم عليه بالحُجَّة، أو عن إكراه يُعذر به قد لا يطلع عليه أحد، أو عن تأويل. ولا يتبين ذلك إلا بعد إقامة الحُجَّة.
كتبه: أ. د. ناصر بن عبد الكريم العقل، أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
من كتاب: قضايا عَقَدِيَّة مُعاصِرة
http://www.wasateah.net (http://www.wasateah.net/)