يقول الدكتور السنهوري: (إذا كان المقصود بعبارة " الملكية الأدبية والفنية" هو تأكيد أن حق المؤلف يستحق الحماية كما يستحقها المالك، وهذا هو المعنى الذي قصد إليه أولاً عندما استعملت العبارة للدعاية والكفاح في سبيل حماية حق المؤلف فهذا صحيح، وأما إذا كان المقصود أن حق المؤلف هو حق ملكية حقيقي فهذا أمر يحتاج إلى إمعان النظر، ذلك أنّ الشيء غير المادي هو شيء لا يدخل في عالم الحس، ولا يدرك إلا بالفكر المجرد فهو حتماً يختلف في طبيعته عن الشيء المادي الذي يدرك بالحس وله جسم يتمثل فيه، فإذا تصورنا أن الشيء غير المادي وهو الفكرة من خلق الذهن وابتكاره أدركنا المدى الواسع الذي يفصل بين عالم الفكر وعالم المادة، فالمادة تؤتي ثمارها بالاستحواذ عليها والاستئثار بها، وأما الفكر فيؤتي ثماره بالانتشار لا بالاستئثار ...
وتتنافى طبيعة الملكية مع طبيعة الفكر من جهتين:
الناحية الأولى: أن الفكر لصيق بالشخصية بل هو جزء منها ومن ثَمَّ فقد وجب تقييد الفكر بهذا الاعتبار الأساسي، فيوجد بجانب الحق المالي للمؤلف الحق الأدبي وهذا الحق من شأنه أن يمكن المؤلف حتى بعد أن يبيع حقه للناشر أن يعيد النظر في فكره وقد يبدو له أن يسترد من التداول ما سبق نشره، بل وله أن يتلفه، بعد أن يعوض الناشر، وبذلك يستطيع أن يرجع
بإرادته المنفردة فيما سبق له إجراؤه من تصرف، وأما من يتصرف في شيء مادي تصرفاً ثابتاً فليس له بإرادته وحده أن يرجع في هذا التصرف ولو في مقابل عوض.
الناحية الثانية: أن الفكر حياته في انتشاره لا في الاستئثار به، فالإنسانية شريكة له من وجهين:-
وجه تقضي به المصلحة العامة .. ووجه آخر يرجع إلى أن صاحب الفكر مدين (بفكره) للإنسانية ... (الوسيط:8/ 278 - 281).
قد انخدع بعض الفقهاء المسلمين المعاصرين باصطلاح (الملكية الأدبية أو الفنية) وباصطلاح (حق المؤلف) فحاولوا أن يخرجوا هذا الحق القانوني على أحد الحقوق المقررة في الشريعة الإسلامية وبالغ بعضهم في ذلك حتى حاول تخريج الأحكام التفصيلية لهذا الحق القانوني على الأحكام الفقهية، فإذا كانت القوانين مثلاً تجعل مدة محددة لاستغلال الورثة حق المؤلف فقد رأى هذا الفقيه أن (أقصى مدة لاستغلال الورثة لحق الإنتاج العلمي المبتكر ستون عاماً من تاريخ وفاة المؤلف مورثهم اعتباراً بأقصى مدة للانتفاع عرفها الفقه الإسلامي في حق الحكر) (" حق الابتكار في الفقه الإسلامي المقارن" للدكتور فتحي الدريني: ص121).
كما أن بعضهم لم يلاحظ طبيعة البيئة التي صدرت فيها القوانين الغربية المنشئة لهذا الحق القانوني، ولا مدى تأثر هذه القوانين بالدوافع والاعتبارات والقيم السائدة في تلك البيئة.
9 - إذا تذكرنا أن هذا الحق أنشأه القانون وأنه قبل أن يصدر القانون الذي يقرره وينظم حمايته لاوجود له، وإذا تذكرنا أن القانون إذا منح حماية الحق لنوع من المؤلفات ثم سلبها هذه الحماية فإن حق المؤلف ينعدم في هذه الحالة بالنسبة لهذا النوع من المؤلفات، إذا تذكرنا ذلك عرفنا مدى الشطط في تخريج الحق القانوني للمؤلف على أنه حق ملكية أو حق انتفاع بما يملك أو أيّ حق آخر قررته الشريعة الغراء من الحقوق الباقية الدائمة والتي لا يملك القانون إلغائها أو سلبها الحماية.
10 - وإذا كانت طبيعة الحق القانوني المالي للمؤلف كما وصفنا فلعلّ أسلم تكييف لهذا الحق هو تكييف محكمة النقض الفرنسية حيث كيفته بأنه (حق امتياز احتكاري) أو كما عبر أحد فقهاء القانون أنه (احتكار استغلال المؤلف لمدة مؤقتة).
على أن كلمة الحق – وإن كانت قد استعملت على الدوام – قد تعطي إيحاءات غير مقصودة وقد تكون مضللة فلذلك ربما كان الأسلم في نظر كاتب هذه المقالة أن تبدل بكلمة (سلطة أو مكنة) لأن غاية ما أعطى القانون المؤلف سلطة في احتكار استغلال مؤلفه لمدة مؤقتة هي مدة حياته وسنوات محدودة بعد وفاته.
¥