وإذا روعي هذا المعنى فإنه يصلح تفسيراً لعدم تقيد التقنين المصري بأحكام الشريعة بالنسبة للوصية بهذا الحق القانوني، وربما كان هذا في ذهن كاتب التقنين وشارحه الدكتور / السنهوري حين كتب (والسبب أن المشرع قرر هذا الحكم دون أن يتقيد فيه بأحكام الشرع الإسلامي أن حق المؤلف في الاستغلال المالي لمصنفاته هو حق معنوي يقع على شيء غير مادي فهو إذن ليس من قبيل الأموال التي تقع على الأشياء المادية والتي ينظر الشرع إليها وحدها في تقرير أحكام الميراث والوصية، ولما كان المصنف هو نتاج فكر المؤلف فهو ألصق به من أمواله التي تقع على أشياء مادية، ولذلك كان أكثر حرية في التصرف فيه بالوصية فقد يرى أن شخصاً معيناً أولى بأن ينتقل إليه حقه المالي في استغلال مصنفه) (الوسيط: 8/ 297).
معنى الكلام أن الحق المالي للمؤلف لو كان حقاً كسائر الحقوق المقومة بالمال التي قررتها الشريعة الإسلامية لاحتسب في الثلث الذي يجوز له أن يوصي به، ولما جاز أن يختص به أحد الورثة.
11 - يتخلص من كل ما سبق الحقائق الآتية:
أ- أن القانون هو الذي ينشئ الحق المالي القانوني للمؤلف وهو الذي بيده بقاء هذا الحق أو فناؤه، وهو الذي يحدد نطاقه سواء بالنسبة للزمان أو للمكان أو نوع المؤلف أو نوع الانتفاع به.
ب- أن غاية منح القانون هذا الحق منح سلطة الاحتكار للمؤلف أو خلقه في استغلال المؤلف لمدة محدودة.
ج- القانون يتأثر في وضعه وفي تفسيره وفي حدود تطبيقه بالبيئة التي نشأ فيها، فالقانون الذي ينشأ في بيئة النظام الرأسمالي ليس حتماً مثل القانون الذي ينشأ في بيئة النظام الإسلامي، والقانون الذي يصدر عن سلطة علمانية (لادينية) يختلف قطعاً عن القانون الذي يصدر عن سلطة مقيدة بمبادئ الدين وقواعده وأحكامه.
د- نتيجة ما سبق أن القانون في حالة الدولة العلمانية لا يجوز أن يفسر أو ينفذ بما يخالف روح الثقافة السائد، أو ما يعارض مبادئ القانون الطبيعي، أو القواعد الدستورية (النظام الأساسي) في الدولة التي أصدرته.
وبالمثل فإنه في حالة الدولة المقيدة بالدين لا يجوز أن يفهم القانون الصادر عنها أو يفسر أو ينفذ بما يعارض روح الدين (الإسلام فيما يتعلق بالبحث) أو قيمه العامة أو قواعده أو أحكامه، ولا يجوز أن يغفل أيّ من هذه الحقائق عندما يقصد التعرف على أحكام الحق المالي للمؤلف.
هل للمؤلفات الشرعية حق مالي؟
1 - يقصد بالمؤلفات الشرعية في هذا المقال وحيثما وردت فيه الأعمال الفكرية والجمالية الصادرة عن المسلم لبيان القرآن والسنة لحمل الناس على اتباع هداهما، والترغيب في هذا الأتباع والتحذير عن الانحراف عنه، فيدخل في ذلك المؤلفات في التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية وسير الصالحين والخطب المنبرية والمواعظ الدينية وترتيل القرآن، وسواء في ذلك أن تظهر هذه الأعمال في شكل كتب أو شريط مسموع أو مرئي. ولا يدخل في ذلك ما يصدر عن غير المسلم وإن كان علماً نافعاً معيناً على فهم القرآن والسنة كفهارس القرآن والحديث التي صدرت عن غير المسلمين، ولا يدخل في ذلك ما يصدر عن المسلم من الأعمال الفكرية والجمالية الدنيوية،ولو اعتبرت من فروض الكفاية على المسلمين مثل المؤلفات في علوم الفيزياء أو الأحياء ,أو الرياضيات ومثل الأعمال الأدبية والفنية.
ويتحدد مجال البحث بالتعرف على الحكم القانوني في موضوع البحث في بلد تتقيد سلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية بالإسلام وبالتحديد في المملكة العربية السعودية.
2 - حينما عدد النظام السعودي المنظم لحق المؤلف في المادة الثالثة منه المصنفات المشمولة بوجه خاص بالحماية أسقط عمداً ذكر بعض المصنفات التي نصت عليها القوانين التي نقل عنها فأسقط مثلاً (المسرحيات الموسيقية، والمصنفات الموسيقية، سواء كانت مرقمة أم لم تكن، وسواء كانت مصحوبة بكلمات أو لم تكن و .. مصنفات تصميم الرقصات والتمثيل الإيمائي)، قد لا يعني هذا الإسقاط أن المصنفات المذكورة ليست مشمولة بالحكم العامل المنصوص عليه في المادة الثالثة، ولكن إسقاطها يدل على قصد واضع النظام الالتزام بملاءمة النظام للبيئة التي يطبق فيها، وهذا يعني أنه عند تفسير النظام لا بد أن تراعي ملاءمة النظام لتلك البيئة ولا بد أن يتم التفسير في ضوء هذا الاعتبار.
¥