مثل مسجد الجند فأنت ترى من كلام أهل العمل رحمهم الله منع شد الرحال إلى المساجد التي هي في أشرف البقاع مكة والمدينة ما عدا الحرمين، ودليلهم حديث رسول الله المتقدم فكيف إذا كان المسجد الذي تشد له الرحال , ويسافر إليه من غير هاتين البقعتين المباركتين؟ فمن باب أولى ألا تشد إليه الرحال سواءً كان مسجد الجند , أو غيره ولا يبرر هذا ما ينقل من أن معاذ بن جبل هو الذي بناه.
فالذي بناه رضي الله عنه لم يحتفل هذه الاحتفالات التي يصنعها القوم اليوم , ولم يأمر أهل اليمن , أو غيرهم بشد الرحال إليه أول جمعة من رجب , أو غيرها.
ولو كان خيراً وديناً لما غفل عنه رضي الله عنه: (ولو كان خيراً لسبقونا إليه).
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهي عن الصلاة في مسجد صلى فيه رسول الله عندما رأى الناس يقصدون ذلك المسجد لعلمه بالنهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة.
فعن المعرور بن سويد قال: كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بناء الفجر فقرأ (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لإيلاف قريش) ثم رأى قوماً ينزلون فيصلون في مسجد، فسأل عنهم فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا أثار أنبيائهم بيعاً من مر بشئ من المساجد فحضرت الصلاة فليصل وإلا فليمضي) رواه عبد الرزاق , وأبو بكر بن أبي شيبة وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظة الله: بإسناد صحيح.
فنهي عمر رضي الله عنه عن التعلق بمثل هذه الآثار , ونهاهم عن شد الرحال , وقصدهم لذلك المسجد بعينه ولو صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا منه رضي الله عنه سداً للذريعة.
قال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد: (ونهى عمر عن التعلق بآثار النبي المكانية التي لم يأت بها سنة عن رسول الله صلى الله علية وسلم إنما كان لما يُفضي إليه ذلك من الغلو , والوقوع في المحذور) أ. هـ.
التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة:
ودل أثر عمر على أن تخصيص الصلاة في تلك الآثار المكانية للنبي صلى الله علية وسلم سواء كان مسجداً , أو غيره أنه من فعل اليهود والنصارى.
قال شيخ الإسلام معلقاً على أثر عمر: (فلما كان النبي لم يعمد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها , ونهي المسلمين عن التشبه بهم في ذلك) مجموع الفتاوى (1/ 28).
ومما يفعله أصحاب هذه البدعة في أول رجب الاعتكاف في ذلك المسجد (مسجد الجند) وقد تقدم من الأدلة الناهية عن قصد غير المساجد الثلاثة لعبادة سواء كانت صلاة أو دعاء , أو اعتكاف وغيره. وكذلك كم هي المساجد التي بنيت في زمن رسول الله صلى الله علية وسلم وبإذنه مع ذلك لم يأمر بقصدها ولا بشد الرحال إليها بل نهى عن ذلك صلى الله عليه وسلم كما تقدم.
قال شيخ الإسلام صـ: 586 من الاقتضاء: (فإذا كان هذا في المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم , وبنيت بإذنه ليس فيها ما يشرع قصده بخصوصه من غير سفر إليه إلا مسجد قباء فيكف بمن سواها؟) أ. هـ.
أي: فهي أولى بعدم مشروعية الرحيل إليها , ولو كان مسجد الجند الذي بناه معاذ بن جبل ثم هذا المسجد كما يقال: أنه بني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فلو كان كذلك فهل غفل النبي صلى الله وسلم عن فضيلة هذا المسجد, وتنبه له هؤلاء؟ أم أنه القائل صلى الله علية وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنه , وأين كلام رسول الله صلى الله علية وسلم وصحابته الكرام , والتابعين والأئمة المهديين , والذين حفظ الله بهم الدين؟.
أيهل هؤلاء كلهم فضل هذا المسد , والأمر بالرحيل إليه في أول معة من رب , وعلمها صوفية اليوم؟.
قال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى (التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة:17 - 18).
وبعض الكذابين على رسول الله صلى الله علية وسلم يضيف رواية موضوعة تذكر مجسد الجند من المساجد التي تشد لها الرحال , وهي رواية لا خطام لها , ولا زمام.
¥