ومن ثم فإنه يجوز لكل أحد أن ينشر ويوزع المؤلفات الشرعية لعلماء المملكة العربية السعودية في حياتهم وبعد وفاتهم حتى ولو لم يمض على وفاتهم خمسون سنة، على أن هذا لا يعني جواز الافتئات على حق المؤلف المعنوي في أن يختار أن لا ينشر مؤلفه إلا بعد أن يرضاه للنشر وهذا يعني وجوب أخذ إذن المؤلف الحي في نشر مؤلفه الذي لم ينشر من قبل، أو الذي نشر ولكنه عبر عن إرادته في أن لا يعاد نشره إلا بإذنه، ولكن لا يجوز له في كل الأحوال أن يأخذ عوضاً مالياً عن الإذن المشار إليه ولا حق لأحد سواءً كان وارثاً أو غير وارث في احتكار استغلال المؤلف الشرعي بعد وفاة المؤلف إذ أن غاية ما منح النظام الوارث أن ينتقل إليه حق مورثه،وهذا الحق المالي لم يوجد حتى ينتقل.
و- وبعد فماذا عن المؤلفات الشرعية التي عبر مؤلفوها صراحة عن إرادتهم من تأليفها أنها ألفت بغرض أن تتمتع بالحماية التي يقررها النظام للمؤلفات الأخرى وبالحق المالي الذي تنسحب عليه تلك الحماية؟
في رأي كاتب المقالة أنه من الناحية القانونية، يسري على هذا النوع من المؤلفات نظام حماية حق المؤلف، بالحماية التي يقررها، وأما من الناحية الشرعية فإن كاتب المقال يكل العلم إلى عالمه ويترك الحكم على جواز هذا القصد ونتيجته من حيث أنه يرتب حقاً مالياً محترماً شرعاً أوْ لا، لعلماء الشريعة وفقهائها.
تنبيهات ومناقشات:
1 - كاتب المقال يجد واجباً عليه أن يدعو أهل العلم والصلاح من المصنفين للمؤلفات الشرعية أن لا يغفلوا عن واجب الغيرة على قيم الإسلام ومقاصده، وأن ينتبهوا إلى أنه لا أخطر على هذه القيم والمقاصد من أن يسمح – فضلا عن أن يشجع – تنامي مظاهر السلوك المنافية لها أو غير المنسجمة معها لأن مثل هذا التسامح يمكن لهذه المظاهر أن تكون عادات وأعرافاً فتتحول إلى قيم مضادة لقيم الإخلاص والاحتساب والإيثار والتقوى فيتحول المجتمع من مجتمع إسلامي إلى مجتمع رأسمالي لا يختلف عن المجتمعات الرأسمالية الأخرى إلا بالاسم.
أقول هذا إجابة لما يقوله بعض الأخيار – وهم صادقون – إنهم إنما يختارون
خضوع مؤلفاتهم المكتوبة أو المسموعة لنظام حماية حقوق المؤلف بغرض أن ينفق العوض المالي الذي يحصلون عليه في سبيل الله، إن هذه المصلحة مهما بلغ حجمها ووزنها لا يمكن أن ترجح على مصلحة قيمة من أهم قيم الإسلام وما يجب من حمايتها وإبعاد عوامل الضعف عنها.
يقول هؤلاء الأخيار – أحيانا – إن في احتكار استغلال المؤلف الشرعي حفزاً للناشر والموزع بان يبذل كثيراً من الجهد والمال في الإعلان والدعاية للمؤلف فيساعد على انتشاره وإذا لم يحتكر الناشر أو الموزع حق المؤلف بحيث يضمن من بيعه عائداً مجدياً يعوض ما بذله في سبيل نشره من كلفة الإعلان والدعاية بالإضافة إلى ربح مجز لم ينشط للبذل في سبيل الدعاية والإعلان عن المؤلف وبالتالي فيتحدد مجال انتشاره وانتفاع الناس به.
ويتكرر في كلام كثير من الكتاب المسلمين الاحتجاج بأن أخذ المؤلف عوضاً مالياً عن حق التأليف (فيه تشجيع للبحث والعلم وشحذ همم العلماء لنشر أفكارهم وهذا من أهم وسائل تقدم الأمة وتصحيح منهجها) أو أن (الناشر زبون كاسر يحقق مكاسب مادية ودعائية من نشر المؤلف فهل نقول مع هذا بحرمان المؤلف الذي كد فكره وأجهد نفسه و أفنى وقته في مؤلفه من عوض مالي لقاءه، وأن يكون غنيمة بإرادة لدار النشر).
إن هذه الحجج هي نفسها الحجج الرأسمالية التي كانت الدافع لصدور القوانين الغربية التي خلقت الحق المالي للمؤلف وقررت حمايته، ولكن في حساب المسلم وتقديره هل يعتبر مصنف المؤلف الشرعي مغبوناً ومحروماً إن اختار ما وعد الله وما يرجوه منه على دراهم معدودة يأخذها من الناشر وقد يكون الله أغناه عنها بما أنعم عليه من كفاية؟!
وإذا كانت النائحة الثكلى ليست كالنائحة المأجورة وإذا كان انبعاث الهمة للبحث وتدوين العلم الشرعي بقصد نفع الخلق ورضا الخالق أحرى بالبركة والقبول وبالتالي الانتشار والنفع، وإذا كان المسلم يضع هذا الأمر في حسابه ووزنه وقياسه عندما يكتفي الكافر بالحسابات المادية فهل يستقيم أن نقول إن هذا الأمر ليس أحرى بان يكون (الوسيلة الأهم لتقدم الأمة وتصحيح منهجها)؟!
¥