تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يرتبط هذا المطلب بتنزيل الحكم العام في حرمة الغش بمفهومه الشامل على قضيَّة الغش في التعليم، وبعد بيان المفهوم العام والخاص والوقوف على الأدلة الشرعية، فإنه لا خِلاف في حرمة الغشِّ في إطاره التربوي والتعليمي، وذلك من وجوه عديدة:

أولاً: كونه فردًا من أفراد الغش كما دلَّت عليه النصوص، وأظهرها قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن غشَّ فليس مِنِّي))، واللفظ هنا ورد عامًّا على سبب خاص، وهو الغش في الطعام، إلا أنَّ المعلوم من مسالك أهل العلم ومناهج الاستِدلال عندهم أنَّ ورود السبب الخاص لا يعني حصر اللفظ في مقتضى السبب بحيث يكون حاصرًا له من حيث المعنى، بل المراد أنَّ مقتضى السبب هو أحد أفراد اللفظ من حيث المعنى، ولذلك قعَّد العلماء قاعدةَ: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويشهد لهذا الفهم أنَّ الحديث نفسه من حيث عبارته جاء عامًّا؛ كونه جاء بلفظ (مَن) الذي يفيد العموم.

ثانيًا: ما يترتَّب عليه من مفاسد عظيمة في المجتمع المسلم، أظهرها تولِّي الغاش أمرًا من أمور المسلمين وهو غير مُؤهَّل له قطعًا، فيُفضِي إلى التفريط بالواجب الشرعي والمجتمعي المتعلِّق بهذا الأمر، وتصوَّر لو أنَّ أمور المجتمع كلَّها أو أغلبَها موكولةٌ إلى هؤلاء وأمثالهم فما هو الأثر الذي ستتركه هذه المجموعة الفاسدة على المجتمع وأفراده، والتي أظهرت نفسها بأنها من حملة الشهادات، وحقيقتها مزوَّرة؟! كما لا يخفى ما يترتَّب عليه من أكل أموال الناس بالباطل، والظلم، وخيانة الأمانة، والخداع ... إلخ.

ثالثًا: صدور كثيرٍ من الفتاوى المعضِّدة لمقتضى النصوص المحرِّمة لهذه الظاهرة، والمبيِّنة حكمَ الغش في التعليم على وجه الخصوص، وقد شاع مع الأسف عند كثيرٍ من طُلاَّبنا وبعض القائمين على الأمر في التربية والتعليم من المعلمين والإداريين - جوازُ الغش في بعض المواد خاصَّةً اللغةَ الإنجليزية وأمثالهَا من الموادِّ بحكم أنها موادُّ لا تمتُّ لثقافتنا الإسلامية بصلة، وهو مبرِّر لا أصلَ له من الشرع والعقل، وفيما يأتي بعضُ فتاوى العلماء الدالَّة على حرمة هذا الفعل وفسادِ مبرِّره، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز: "الغش محرَّم في الاختِبارات، كما أنَّه محرَّم في المعاملات، فليس لأحدٍ أن يغشَّ في الاختِبارات في أيَّة مادَّة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكُه في الإثم والخيانة" [28] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22709/#_ftn28)، وقال جوابًا على سؤالٍ، منطوقُه: ما قولُكم فيمَن يقول: إنَّ الغشَّ حرام فقط إذا كان في المواد والعلوم الشرعيَّة، ويكون مباحًا إذا كان في غيرها؛ كاللغة الإنجليزية أو التاريخ أو الرياضيات أو الهندسة أو نحوها؟ فقال - رحمه الله -: "الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن غشنا فليس مِنَّا))، وهذا لفظ عام يعمُّ الغش في المعاملات، وفي النصيحة والمشورة، وفي العلم بجميع مواده؛ الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرِّس فعل ذلك، ولا التساهُل فيه، ولا التغاضِي عنه؛ لعموم الحديث المذكور وما جاء في معناه، ولما يترتَّب على الغشِّ من المَفاسِد والأضرار والعَواقِب الوخيمة" [29] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22709/#_ftn29)، وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "لا يجوز للطالب أن يُساعِد زميله في الامتِحان أبدًا؛ لأن ذلك من خيانة الأمانة، فالجهات المسؤولة لا تَرضَى بذلك، وهو في الحقيقة ظلمٌ للطالب المُعان، وظلمٌ للطالب المُعِين، وجناية على الجهة المسؤولة التي هو تحت رعايتها، وجناية على الأمة جمعاء" [30] ( http://www.alukah.net/Sharia/0/22709/#_ftn30).

وخلاصة القول بعد هذا التطواف مع مفهوم الغشِّ وما يُقارِبه، والوقوف على الأدلَّة الشرعية والعقليَّة الدالَّة على حكمه، فإنه يُقطَع بحرمته في جميع صوره، وخاصَّة الغش في التربية والتعليم، كونه محلَّ بحثنا ودراستنا، وعلى مسؤولي التربية والتعليم واجب شرعي ومجتمعي من خلال الوقوف بجديَّة للقَضاء على هذه الظاهرة؛ لأنها بحقٍّ سوسٌ ينخر نِظام المجتمع والأمَّة، إلا أنَّه ينبغي التنبيه على أنَّ هذا الخلل يجب تسكينُه في إطارِ منظومته القيميَّة؛ ذلك أنَّه ليس بمَعزِل عن ظَواهِر الخلل الأخرى التي أُصِيبَ بها المجتمع، والقضاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير