1. أحدهما: أنها فرض يأثم تاركها, وتبرأ ذمته بصلاته وحده, وهذا قول أكثر المتأخرين من أصحاب أحمد, ونص عليه أحمد في رواية حنبل, فقال: «إجابة الداعي إلى الصلاة فرض, ولو أن رجلا قال: هي عندي سنة أصليها في بيتي مثل الوتر وغيره؛ لكان خلاف الحديث, وصلاته جائزة».
2. وعنه رواية ثانية, ذكرها أبو الحسن الزعفراني في كتاب "الإقناع": أنها شرط للصحة, فلا تصح صلاة من صلى وحده, وحكاه القاضي عن بعض الأصحاب, واختاره أبو الوفاء ابن عقيل, وأبو الحسن التميمي, وهو قول داود, وأصحابه, قال ابن حزم [المحلى4/ 196]: «وهوقول جميع أصحابنا».
ونحن نذكر حجج الفريقين:
قال المشترطون:
كل دليل ذكرناه في الوجوب يدل على أنها شرط, فإنها إذا كانت واجبة فتركها المكلف لم يفعل ما أمر به, فبقي في عُهْدة الأمر.
قالوا: ولو صحت الصلاة بدونها لما قال أصحاب رسول الله: «إنه لا صلاة له» , ولو صحت لما قال النبي: «من سمع المنادي ثم لم يجبه؛ لم تقبل منه الصلاة التي صلى»! فلما وقف القبول عليها؛ دل على اشتراطها, كما أنه لما وقف القبول على الوضوء من الحدث, دل على اشتراطه.
ونَفْيُ القبول إما أن يكون لفوات ركن, أو شرط, ولا ينتقض هذا بنفي القبول عن صلاة العبد الآبق, وشارب الخمر, أربعين يوما؛ لأن امتناع القبول هناك لارتكاب أمر محرم قارن الصلاة, فأبطل أجرها.
قالوا: (ولو صحت صلاة المنفرد؛ لما قال ابن عباس إنه في النار).
قالوا: (لو صحت صلاته أيضا؛ لما كانت واجبة, وأنه إنما يصح عبادة من أدى ما أمر به).
وقد ذكرنا من أدلة الوجوب ما فيه كفاية.
قال المصححون لها, وهم ثلاثة أقسام:
1. قسم يجعلها سنة؛ إذا شاء فعلها, وإن شاء تركها.
2. وقسم يجعلها فرض كفاية؛ إذا قام بها طائفة سقطت عمن عداهم.
3. [وقسم] يقول هي فرض على الأعيان وتصح بدونها.
وقد ثبت في الصحيحين [البخاري, رقم:645, ومسلم, رقم:650] , من حديث ابن عمر, قال: قال رسول الله: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفَذِّ بسبع وعشرين درجة».
وفيهما [البخاري, رقم:647, مسلم, رقم:649] , عن أبي هريرة, عن النبي: «صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمسة وعشرين ضعفا؛ وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة, لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة, وحطت عنه بها خطيئة, فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم صل عليه, اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة».
قالوا: (فلو كانت صلاة المنفرد باطلة؛ لم يفاضل بينها وبين صلاة الجماعة؛ إذ لا مفاضلة بين الصحيح والباطل).
قالوا: (وفي صحيح مسلم [رقم:656] , من حديث عثمان بن عفان, أن النبي, قال: «من صلى العشاء في جماعة, فكأنما قام نصف الليل, ومن صلى الصبح في جماعة, فكأنما قام الليل كله».
قالوا: (فشبه فعلها في جماعة بما ليس بواجب, والحكم في المشبه كهو في المشبه به, أو دونه في التأكيد).
قالوا: (وقد روى يزيد بن الأسود, قال: شهدت مع النبي حجته, فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف, فلما قضى صلاته انحرف, فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا. قال: «عَلَيَّ بهما» , فجيء بهما ترعد فرائصهما. قال: «ما منعكما أن تصليا معنا؟!» , فقالا: يا رسول الله, قد صلينا في رحالنا. قال: «فلا تفعلوا! إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة, فصليا معهم؛ فإنها لكما نافلة» , رواه أهل السنن [النسائي, رقم:858, أبو داود, رقم:575, الترمذي, رقم:219] , وعند أبي داود: «إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك مع الإمام, فليصلها معه؛ فإنها له نافلة».
قالوا: (ولولا صحة الأولى؛ لم تكن الثانية نافلة).
= وعن محجن بن الأدرع, قال: أتيت النبي, فحضرت الصلاة, فصلى (يعني ولم أصل) , فقال لي: «ألا صليت؟!» قلت: يا رسول الله, قد صليت في الرحل ثم أتيتك! قال: «فإذا جئت فصل معهم, واجعلها نافلة» , رواه الإمام أحمد [المسند4/ 34].
وفي الباب عن أبي هريرة, وعن أبي ذر, وعبادة, وعبدالله بن عمر.
ولفظ حديث ابن عمر, عن سليمان مولى ميمونة, قال: أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد, فقلت: ما يمنعك أن تصلي مع الناس؟! قال: إني سمعت رسول الله يقول: «لا تصلوا صلاة في يوم مرتين» , رواه أبو داود [رقم:579] , والنسائي [رقم:860].
¥