[قاعدة في بحث المسائل الخلافية]
ـ[معتز]ــــــــ[22 - 06 - 10, 03:19 م]ـ
قاعدة في بحث المسائل الخلافية ( http://www.salafvoice.com/article.php?a=4349&back=aHR0cDovL3d3dy5zYWxhZnZvaWNlLmNvbS9hcnRpY2xlc y5waHA/bW9kPXN1YmNhdGVnb3J5JmM9MTc1)
كتبه/ د. محمد رجب محمد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذه إشارة موجزة تمهد لطالب الحق وتعينه على مقصوده من البحث والنظر، غير إنها لا تنفع صاحبها إلا مقرونة بورع وزهد؛ ورع عن اقتراف ما يخشى ضره يوم الحساب من فضول كلام وسبق لسان، وزهد في علو على الأقران ورؤية نفسه في حسن البيان، والله المستعان.
فاعلم -رحمك الله- أن: اضطراب تصور المتنازع عليه من أهم بواعث الخلاف ومثارات الشقاق؛ إذ يشهد كل فريق غير الذي يشهده الآخر، فيأتي كل من المتنازعين بكلام في غير محل النزاع.
ويترتب على هذا الاضطراب أمر أشد خطرًا؛ ذلك أن الباحث يتناول كلام الفريق الآخر حاكمًا عليه بما ثبت في تصوره لهذه المسألة، وكأنما صار قاعدة محكمة يقاضي إليها الأدلة، وهذه طريقة أهل البدع والأهواء؛ فإن أصل كل بدعة تقديم ما يتوهم إحكامه على أدلة الشرع، فيرد تلك الأدلة إلى رأيه وتصوره الموهوم، مخالفًا أمر الله -تعالى-: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) (النساء:59) ومفهومه: لا تقدموا آراءكم وظنونكم بين يدي نصوص الشرع المشرف، بل اجعلوا نصوص الوحي حاكمة قاضية، وهذا ليس في خلاف الفروع فحسب، بل هو آكد في أصول الدين وعقائده، إذ كانت نصوصه محكمة لا تقبل ما يحتمله استدلالية الفقه والفروع، من الظن والترجيح.
ولنضرب لذلك مثالا عمليًّا يستبين به الكلام: فقد رأينا من طلبة العلم -فضلاً عن عامة المتدينين- مَن لا يتصور المقصود من الإرجاء، بل صار اصطلاح الإرجاء إذا أطلق مشيرًا إلى عين المتنازع عليه، والذي لم يقطع فيه بعد بالبحث والنظر. فصورة الإرجاء في ذهن هؤلاء هي: عدم اعتبار جنس العمل من الإيمان بإزاء التصديق والإقرار سواءً بسواءٍ، وهي عين الصورة التي ينبغي أن يبحث فيها وينظر في كلام الفريقين قبل أن يصوب أو يخطئ أحد الرأيين.
والمقصود أن تصور المسألة المتنازع عليها -كالإرجاء هنا-: لابد أن يصح عند الناظرين في النزاع، وإلا فإن كثيرًا من النصوص والآثار سيحمل في الفهم على غير وجهه، وهذا ما نراه في مطالعة الأدلة والنقول في مثال الإرجاء؛ فإن السلف لما تكلموا عن مسمى الإيمان وحقيقته التي تشمل: التصديق والقول والعمل، إنما نشطوا فيه لبيان بدعية القول بأن الإيمان كل لا يتجزأ؛ إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهو بذلك حقيقة واحدة غير قابلة للتجزأ، فلا تقبل زيادة ولا نقصًا، وهذا أصل الإرجاء كما كان أصل الخوارج كذلك، غير أن تطبيق كل فرقة منهما اختلف عن الآخر، مع التزام ذلك الأصل مما استوجب بيان ضلاله؛ خاصة وقد ترتب على ذلك القول أثر خطير يغري بالانحلال من الشريعة، ويفضي إلى نقض الدين، أعني مقالتهم بأنه: "لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، فتارك الفرائض أو مرتكب الكبائر مؤمن كامل الإيمان، ناج من العذاب، غير معرض للعقوبة، وهذه المقالة الخبيثة كانت وليدة هذا الأصل الذي ذكرنا.
فالإرجاء حقيقةً مركب من هذين المتلازمين: أصل إنكار تجزأ الإيمان وقابليته للزيادة والنقصان، وما يلزمه من عدم تعرض تارك الأمر أو مرتكب النهي للعقاب.
ولعل الوقوف على هذا المعنى يجلي الفرق بين تلك المقالة وما ذهب إليه مرجئة الفقهاء: كالإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، ويوجه تلك الإضافة إلى الفقه. ذلك أن أبا حنيفة -رحمه الله- لم يبنِ قوله بعدم دخول العمل في مسمى الإيمان على أصل المرجئة حيث قالوا بعدم تعدد الإيمان وتجزئته، وإنما جاءت شبهته -رحمه الله- من جهة الاستدلال الفقهي القائم على النظر في بعض النصوص، لا على تأصيل تلك القاعدة المتوهمة ومحاكمة النصوص إليها، وهذا فرق عظيم؛ ولذا لم يترتب على قوله ما ترتب على أصل الإرجاء، بل وافق -رحمه الله- قول عامة السلف في تعرض تارك الأمر ومرتكب النهي للعقوبة، ولذلك اعتبر كثير من المحققين -كشيخ الإسلام ابن تيمية- خلافه لفظيًا، وهذا من جهة ما ذكرنا، بمعنى أن خلافه في الاسم وليس في الحكم، وإلا فهو قول خطأ غير صواب.
¥