6/ وجاء في (جمهرة اللغة) لابن دريد: (بدعت الشيء، إذا أنشأته .. وكُلٌّ من أحدث شيئاً فقد ابتدعه، والاسم: البِدعة). انتهى من مادة (ب – د – ع).
وفيه أيضاً: (ويقال: جاء الرجل ببدعة، إذا جاء بأمر مُنكَر). انتهى من باب (الباب والدال).
7/ وجاء في (لسان العرب): (بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه: أنشأه وبدأه .. ، والبِدع: الشيء الذي يكون أولاً .. ، وكل محدثة بدعة: إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة) ([27]). انتهى.
8/ وجاء في (الفروق اللغوية)، لأبي هلال العسكري: (الابتداع إيجاد ما لم يسبق إلى مثله) ([28]). انتهى
والخلاصة:
أنه يتضح بذلك أن أمير المؤمنين أنكر إظهار المعازف لِما في ذلك من مخالفة إجماع السابقين على كون المعازف من المنكرات التي حرَّمها الشرع.
قال إمام الحرمين الجويني: (قد علمنا قطعاً انتشار احتجاج السلف في الحث على موافقة الأمة واتباعها والزجر على مخالفتها .. وما أبدع مبدع في العصر الخالية بدعة إلا وبخه علماء عصره على ترك الاتباع وإيثار الابتداع .. وهذا ما لا سبيل إلى جحده، وقد تحقق ذلك في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم) ([29]). انتهى
وقال الإمام ابن برهان –من كبار علماء أصول الفقه – في كتابه (الوصول إلى علم الأصول): (رأينا السابقين من السلف الصالحين يعظمون النكير ويشددون النفير على من خالف إجماع الأمة قبله .. ومثل هذا لا يتفق الناس عليه إلا من توقيف رسول الله r، فكانت الحجة لازمة) ([30]). انتهى.
الإجماع الثاني:
وقع في عهدي عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وهو أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قد صرَّح بأن إظهار المعازف بدعة منكرة يستحق فاعلها العقاب الشديد، حيث قال: (ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جُمة السوء).
والجُمة: مجتمع شعر الرأس. «الصحاح في اللغة»، مادة (جمم).
والجز: معناه: القطع. انظر: القاموس المحيط، فصل الجيم، لسان العرب، (جزز)
وقوله (يجز جُمتك): معناه يقطع مجتمع شعر رأسك.
وقد أقرَّه على ذلك إمام أهل عصره، وفقيه الشام: الإمام الأوزاعي.
إذ كان الأوزاعي أعلم أهل عصره بالسنة، فلو كان قول عمر غير صحيح –لكان أنكره وما حدَّث به.
فالإمام الأوزاعي حدَّث بخبر عمر بن عبد العزيز ولم ينكره، وقد كان الأوزاعي شديداً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم.
قال الإمام الذهبي: (قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً، سفاكاً للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي يصدعه بمر الحق ما ترى، لا كخلق من علماء السوء الذي يحسنون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعسف، ويقلبون لهم الباطل حقاً –قاتلهم الله- أو يسكنون مع القدرة على بيان الحق) ([31]). انتهى
وقال الإمام الذهبي أيضاً: (الأوزاعي .. شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام .. كان مولده: في حياة الصحابة .. قال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس في سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة .. ، عن مالك، قال: الأوزاعي إمام يقتدى به .. ، وكان له مذهب مستقل مشهور، عمل به فقهاء الشام مدة، وفقهاء الأندلس) ([32]). انتهى.
وقال الحافظ المزي: (أبو عمرو الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه في الحديث والفقه .. وقال أبو عبيد عن عبد الرحمن بن مهدي: ما كان بالشام أحدٌ أعلم بالسنة من الأوزاعي .. وقال أبو حاتم: إمام مُتَّبع لما سمع) ([33]).
فالإمام الأوزاعي مُتَّبع لما سمعه عن عمر.
وأقرَّهما على ذلك الإمام مالك؛ وسيأتي تصريح الإمام مالك بعدم جواز المعازف.
قال الإمام أبو يعلى الخليلي في (الإرشاد في معرفة علماء الحديث): (أبو عمرو الأوزاعي إمام بلا مدافعة، ورعا، وعلما، رُئي بمكة يركب ومالك بن أنس آخذ بركابه، وسفيان الثوري يقوده، أجاب عن ثمانين ألف مسألة من الفقه من حفظه). انتهى.
وقال الإمام الذهبي: (ولقد كان مذهب الأوزاعي ظاهراً بالأندلس إلى حدود العشرين ومائتين، .. وكان مذهب الأوزاعي أيضاً مشهوراً بدمشق إلى حدود الأربعين وثلاثمائة. وكان القاضي أبو الحسن بن حذلم له حلقة بجامع دمشق ينتصر فيها لمذهب الأوزاعي) ([34]). انتهى.
قلت: فلو كان الإمام الأوزاعي أنكر قول عمر بن عبد العزيز: لاشتهر ذلك عنه بلا شك.
¥