الوقفة السابعة: قال في مقاله غفر الله له مستدلاً على إباحة الغناء بالمعازف قال الأصمعي: لما حرم خالد بن عبد الله الغناء، دخل إليه ذات يوم حنين بن بلوع مشتملا على عوده. فلما لم يبق في المجلس من يحتشم منه قال: أصلح الله الأمير، إني شيخ كبير السن ولي صناعة كنت أعود بها على عيالي وقد حرمتها. قال: وما هي؟ فكشف عوده وضرب وغنى من الخفيف:
أيها الشامت المعير بالشيـ ب أقلن بالشباب افتخارا
قد لبسنا الشباب غضا جديدا فوجدنا الشباب ثوبا معارا
فبكى خالد حتى علا نحيبه ورق وارتجع وقال: قد أذنت لك ما لم تجالس معربدا ولا سفيها. أ.هـ
أقول هذه القصة رواها أبو القاسم الزجاجي في أخباره بسنده، وذكرها الصفدي في الوافي بالوفيات (4/ 335)،والذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 427) ويا لله العجب كيف يستدل على جواز الغناء بفعل صاحب العود حنين بن بلوع، أو بإذن خالد بن عبدالله القسري وهو رحمه الله ليس معدوداً من أهل العلم والفقه والفتيا وإنما كان والياً على مكة للوليد بن عبدالملك ثم لأخيه سليمان ثم أصبح والياً على العراق لهشام بن عبدالملك!
انظر تاريخ خليفة بن خياط (81) (84)،وسير أعلام النبلاء (5/ 425)
ثم إن خالداً القسري في هذا الخبر كان يمنع الناس من الغناء ويلزمهم بذلك، ورخص لهذا المغني لما شكا له ضيق ذات اليد، ففرق بين من يجوز الغناء بالمعازف ويبيحه بل ويفتي غيره به، وبين من يفعله ويسمعه مع اعتقاده بحرمته!
الوقفة الثامنة: نقل الكلباني عن ابن النحوي أن الأئمة الأربعة يبيحون الغناء بالمعازف!
والأئمة الأربعة قالوا كلهم بحرمة الغناء بالمعازف،قال الإمام ابن تيمية وهو من أعلم الناس بمذاهب الأئمة الأربعة كما في مجموع الفتاوى (24/ 198):
"مذهب الأئمة الأربعة: أن آلات اللهو كلها حرام ".
وقال تلميذه ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 226):"فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين".
وإليك أقول الأئمة في ذلك:
*الإمام أبوحنيفة:
قال الإمام أبو بكر الطرطوشي في تحريم السماع:"وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب". انظر إغاثة اللهفان (1/ 226)
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 226) قلت:" مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه. قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره".
قال السرخسي في المبسوط (6/ 353):" ولا تجوز الإجارة على تعليم الغناء والنوح لأن ذلك معصية".
وفي رد المحتار (24/ 291):"لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لِأَجْلِ الْمَعَاصِي مِثْلُ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْمَلَاهِي".
*قول الإمام مالك:
قال إسحاق بن عيسى الطباع: سألت مالكًا عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. انظر مجموع الفتاوى (24/ 198)،إغاثة اللهفان (1/ 227).
في المدونة (10/ 351) قُلْتُ: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْغِنَاءَ؟ قَالَ عبدالرحمن القاسم: كَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ، فَكَيْفَ لَا يَكْرَهُ الْغِنَاءَ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَيَشْتَرِطُ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْغِنَاءَ.
*الإمام الشافعي:
قال في الأم (4/ 212) "وَلَوْ كَسَرَ له طُنْبُورًا أو مِزْمَارًا أو كَبَرًا فَإِنْ كان في هذا شَيْءٌ يَصْلُحُ لِغَيْرِ الْمَلَاهِي فَعَلَيْهِ ما نَقَصَ الْكَسْرُ وَإِنْ لم يَكُنْ يَصْلُحُ إلَّا لِلْمَلَاهِي فَلَا شَيْءَ عليه وَهَكَذَا لو كَسَرَهَا نَصْرَانِيٌّ لِمُسْلِمٍ أو نَصْرَانِيٌّ أو يَهُودِيٌّ أو مُسْتَأْمَنٌ أو كَسَرَهَا مُسْلِمٌ لِوَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ أَبْطَلْت ذلك كُلَّهُ".
وقال النووي في روضة الطالبين (5/ 43):"كسر الملاهي لا ضمان في صنعتها لأنها محرمة وهذا لا خلاف فيه".
¥