عجباً ماذا دهى الشيخ؟ ما هذه القفزة الغريبة؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ كيف يجرؤ الشيخ على نشر هذه المسألة أمام الملأ؟ من أوعز إليه بذلك وهو لم يُعرف بالفتوى أصلاً؟ وكيف وصل الأمر عنده إلى التشنيع على مخالفيه ومنتقديه ووصفهم بالجهل واتباع الهوى وعدم البحث وأنهم حاملوا شعار أبي جهل! كما جاء في بحثه الأخير المنشور في الصحف والمواقع، ونخشى – والله - أن يكون ذلك الرأي سلسلة لما بعده من الأقوال الغريبة والشاذة؟! فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ..
بصراحة لا أدري كيف أبدأ .. تنتابني والله حالة حزن كبيرة جداً، على حال بعض الدعاة والعلماء في زمننا الذين يسلكون مسلك: (خالفت فاعرفوني) ثم انشروا صوري وأشهروني؛ فأنا العالم المتنور، والداعية الأنيق، والشيخ المتجدد، ومن يخالفني فهو الحاقد المتحجر! المقلد المتشدد! والله المستعان.
الغناء وما أدراكم الغناء .. مسألة قديمة متجددة كتب فيها من كتب، وألف فيها من ألف؛ وفي هذا المقال لن أناقش كل ما جاء في بحث الشيخ فذلك يطول جداً، ولن أتطرق لهذه المسألة من حيث العموم؛ حيث إنه سبق أن تكلم فيها علماء أفاضل من أمثال الشيخ الألباني- رحمه الله تعالى – في كتابه: "تحريم آلات الطرب"، والشيخ حمود التويجري - رحمه الله تعالى – في بعض ردوده، والشيخ عبد العزيز الطريفي في كتابه "الغناء في الميزان"، والشيخ: عبد الله رمضان بن موسى في كتابه الواسع: "الرد على القرضاوي والجديع .. " وغيرهم الكثير الكثير، وقد راجعتها واستفدت منها كثيراً في هذا المقال.
والمقصود في هذا المقال التطرق إلى بعض الإشكالات المنهجية التي جاءت في بحث الشيخ الكلباني – وفقه الله - الذي نشر مؤخراً، ولعل من أبرزها: من أعدَّ البحث العلمي للشيخ؟ كما سيأتي ذلك في ثنايا المقال.
ويا أيها الأخوة المسألة لا تحتاج إلى كثير عناء وبحث، فو الله الذي لا إله إلا هو إن كثيراً من العوام بفطرتهم السليمة ومعرفتهم لمقاصد الدين لا يشكون في حرمة هذا الغناء المزعوم حله! ويكفي باحثَ الحق في تحريم هذه المسألة الدليلُ الصريح الصحيح الذي قال فيه الإمام البخاري في صحيحه: قال هشام بن عمّار: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثنا عطية بن قيس، عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ، قال: حدثني أبو مالك أو أبو عامر، ووالله ما كذبني أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ).
وهذا الحديث جاء موصولاً عن هشام بن عمار من غير هذا الطريق من أكثر من عشرة طرق، وبهذا سقطت حجة من ضعف الحديث بحجة أن البخاري رواه معلقاً. (ينظر كتاب تغليق التعليق لابن حجر، وكتاب الشيخ الألباني، وكتاب الشيخ الطريفي)
والغريب أن ابن حزم نفسه ذكر أنه لو صح هذا الحديث لقلنا به؛ لكن قد يُعذر على أنه لم يطلع على هذه الطرق كلها، لكن لا يعذر غيره ممن جاء بعده واطلع عليها؛ إضافة إلى أن الحديث قد صححه أئمة كبار أعلم بالحديث من ابن حزم وابن طاهر القيسراني وغيرهما ممن قدح في صحة الحديث.
ووجه الدلالة من الحديث بينَّها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 535) في قوله: (وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي – صلى الله عليه وسلم - يذكر الذين يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف على وجه الذم لهم وأن الله معاقبهم. فدل هذا الحديث على تحريم المعازف. والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها).
* * * * * * *
? توضيح للغناء الذي أباحه بعض السلف.
جاء في لسان العرب في تعريف الغناء: (كلُ من رَفَع صوتَه ووالاه؛ فصوتُه عند العرب غناء). ولذلك فإن من تأمل في لغة العرب واستعمالهم للغِناء وجد أنهم يريدون به الشعر، أو الكلام المسجوع؛ حيث يطلقون عليه: غِناءً، يقول حميد بن ثور:
عجبت لها أنّى يكون غناؤها ** فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فَمَا
فتحسين الصوت إذن من الغناء عند العرب، ويظهر هذا في قوله– صلى الله عليه وسلم -: (ما أذِنَ الله لشيء أذنه لنبي أن يتغنَّ بالقرآن). أي: يحسن صوته به.
فإذا تقرر هذا؛ فليعلم أن ما جاء عن بعض السلف يُحمل على هذا المعنى كما نص عليه غير واحد من أهل العلم، منهم:
¥