مثل تنزيل قول من يبيح الغناء، وهو يقصد الشعر والحداء، أو يقصد الغناء المطرب من غير آلة الذي اختلف فيه أهل العلم؛ على أنه يريد الغناء مع آلات اللهو أو بعضها، وهذا مرده إما لضعف الفهم أو التخليط، وسبق توضيح هذه النقطة.
خذ مثلاً: جاء في البحث: (ونص على إباحة الغناء ابن رجب الحنبلي العالم الشهير).
وهذا نقل موهم، وفيه خلط بين الغناء والحداء الذي وقع فيه خلاف بين السلف، والغناء المجمع على تحريمه، فابن رجب له كلام واضح في ثلاثة مواضع من كتبه خذ واحداً منها نصاً والباقي إحالة: حيث قال: (وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى). فتح الباري لابن رجب (6/ 83) وينظر أيضاً نزهة الأسماع في مسألة السماع، دار طيبة: (ص 25) و (ص 60)
? الرجوع إلى مراجع غير أصلية في البحث:
للأسف فإننا لو تأملنا في مراجع البحث وجدنا أن مرجعها كتب تاريخية أو أدبية لا تهتم بصحة نسبة القول إلى قائله مثل: كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ومعلوم ما فيه من الأحاديث والآثار الضعيفة والواهية جداً، أو كتاب: تهذيب تاريخ دمشق، أو كتاب: العقد الفريد، أو كتاب: الأغاني لأبي فرج الأصبهاني، وغيرها من المراجع التي لا يعتد بها في نسبة الأقوال إلى قائليها، ولا شك أن هذا صنيع من يعتقد قبل أن يستدل فيحاول أن يحشد لرأيه أي قول وافقه ولو شاذا أو ضعيفاً أو واهياً.
? المنهجية العلمية في نقل الخلاف:
الخلاف خلاف من سبق من السلف، فإذا أجمع السلف على أمر فلا يعتبر بخلاف المتأخرين من بعدهم! وفي البحث نقولات لبعض المتأخرين الذين لا يعتد بخلافهم، لإجماع السلف في حرمة ذلك؛ فكيف يذكر في البحث خلاف لعالم متأخر قد يكون لم يطلع على الإجماعات في المسألة، أو لا يرى حجية الإجماع، أو لم يفرق بين الغناء والحداء.
* * * * * * *
? حكم من حكى خلافاً في آلات الطرب والمزامير عن العلماء:
خرَّج الإمام النسائي في سننه: (4135) أن عمر بن عبد العزيز كتب كتاباً إلى عمر بن الوليد جاء فيه: (وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة السوء). وصحح إسناده الشيخ الألباني في تحريم آلات الطرب (ص:120)
ويقول ابن حجر الهيتمي: في كتابه كف الرعاع: (ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط، وغلب عليه هواه حتى أصمّه وأعماه).
ويقول ابن رجب الحنبلي: (وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى). فتح الباري لابن رجب (6/ 83)
* * * * * * *
? خلاصة متميزة من ابن تيمية رحمه الله تعالى:
حيث قال - رحمه الله تعالى -: (وأما التصفيق بأحد اليدين على الأخرى، وأما الضرب بقضيب على فخذ وجلد، وأما الضرب باليد على أختها أو غيرها على دف أو طبل كناقوس النصارى والنفخ في صفارة كبوق اليهود، فمن فعل هذه الملاهي على وجه الديانة والتقرب فلا ريب في ضلالته وجهالته. وأما إذا فعلها على وجه التمتع والتلعب فذهب الأئمة الأربعة: أن آلات اللهو كلها حرام فقد ثبت في صحيح البخاري وغيره، أن النبي أخبر أنه سيكون من أمته – صلى الله عليه وسلم - من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير.
و"المعازف" هي الملاهي كما ذكر ذلك أهل اللغة. جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها: أي يصوت بها.
ولم يذكر أحد من اتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً؛ إلا أن بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ذكر في اليراع وجهين بخلاف الأوتار ونحوها؛ فإنهم لم يذكروا فيها نزاعاً.
وأما العراقيون الذين هم أعلم بمذهبه وأتبع له فلم يذكروا نزاعاً لا في هذا ولا في هذا بل صنف أفضلهم في وقته أبو الطيب الطبري شيخ أبي إسحاق الشيرازي في ذلك مصنفاً معروفاً. ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو، هل هو حرام؟ أو مكروه؟ أومباح؟
وذكر أصحاب أحمد لهم في ذلك ثلاثة أقوال وذكروا عن الشافعي قولين ولم يذكروا عن أبي حنيفة ومالك في ذلك نزاعاً.
¥