تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حق المرأة في العمل وحقها في الكرامة]

ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[24 - 06 - 10, 11:19 م]ـ

بين حقّ المرأة في العمل وحقّها في الكرامة.!

د/عبد المجيد البيانوني

إنّ الحديث عن حقّ المرأة في العمل يكون مقبولاً عندما يكون منضبطاً بأحكام الشريعة مئة بالمئة، وبصورة يقينيّة قاطعة، لا أن يكون الحديث عن حقّ المرأة في العمل ذريعة لامتهان كرامتها، وسوقها رغباً ورهباً إلى سوق النخاسة القذرة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لتكون مزلّة قدم لها، وسبيلاً لإغوائها والإغواء بها، وأداة لإفساد الرجل، ونشر الفساد في الأرض ..

وإذا غلبت الطيبة وسلامة النيّة والدوافع على بعض الرجال والنساء، فتحمّسوا لعمل المرأة، وقدّموا لما يقولون الأسباب والمبرّرات، والحجج المنطقيّة والموضوعيّة، وهم يؤصّلون وينظّرون، فهذا لا يعفيهم من تهمة الغفلة عن الواقع الأخلاقيّ المنحطّ، الذي يتردّى فيه عمل المرأة في أكثر الميادين، وما تتعرّض له من فتنة تطال دينها وشرفها، وتهدّد أطفالها وأسرتها، ومستقبل حياتها، والمجتمع كلّه ..

ولا يشكّل الحلم الذي يتحدّثون عنه بحماسة بالغة عن التنمية والمرأة .. وازدهار المجتمع .. سوى نسبة ضئيلة، تكاد لا يحسب لها أدنى حساب، أمام الشرّ الذي يكيد به المفسدون في الأرض للمرأة وأسرتها ومجتمعها .. إذ الأحكام شرعاً وعقلاً وواقعاً إنّما تدور على الأعمّ الأغلب من المصالح، لا على القليل النادر ..

ومن يسمع، ويطالع ما يكتب، ويتابع أخبار المآسي والضحايا من كلّ جنس وسنّ، التي تقع هنا وهناك، من ثمرات الاختلاط غير المنضبط بشرع الله في كلّ الميادين .. يدرك حجم الوباء العامّ، الماحق المحدق، الذي يستشري في جسد الأمّة، بصورة بطيئة منظّمة، كما يستشري الداء العضال، ويهدّد مجتمعاتنا بالتفسّخ والانحلال ..

نساء مصونات، وفتيات محتشمات، من أسر كريمة، وبيوت عريقة، تعرض عليهنّ الفتنة، ويتعرّضن للابتزاز بكلّ صفاقة ووقاحة في دينهنّ وشرفهنّ، ومنهنّ متزوّجات وأمّهات، في سبيل الوصول إلى الوظيفة التي يتقدّمن إليها .. عدا عمّا يكون بعد ذلك .. وليس الأمر حالة فرديّة شاذّة، لا يؤبه لها، ولا يقاس عليها، وإنّما هو داء قد استشرى، وبلاء قد عمّ أكثر ميادين عمل المرأة المختلطة، ولا عبرة بمن يتعامى عن الواقع، ويكابر الحقائق، ويصرّ على دفن نفسه أو رأسه في رمال الأوهام.!

بيوت أمنة، تطالها الأيدي الأثيمة بالهدم والتخريب، فتفسد على الرجل طمأنينته وهناءة عيشه، وتفرض على الطفولة الغضّة البريئة التشرّد والضياع، وتهدم على رأس المرأة: الزوجة والأمّ مملكتها، وتفسد عليها أحلامها .. من وراء الاختلاط في الوظيفة وما بعده.! ويقول المتحذلقون الفلاسفة: " ليس ذلك بالضرورة .. " وهم يرون المقدّمات والنتائج، والأسباب والآثار .. أفليس هذا نوعاً من الاستغباء أو الاستكبار .. فماذا نقول بعد ذلك.؟!

ويخرج علينا من يعيش خارج عصره وواقعه، فيفتي ويقول: " لا حرج في الاختلاط بين الرجال والنساء ولا جناح "، ويستشهد لذلك ببعض الأحداث في زمن النبوّة، وكأنّه يظنّ أنّ الرجال والنساء في هذا العصر من جنس الملائكة لا البشر.! وكأنّه لم يأته عن هذا الواقع المخزي خبر.! وبعدما علم بهذه الوقائع الموثّقة: أفيرضى لأمّه أو بنته، أو زوجته أو أخته أن تعمل في مثل هذه البيئات والأجواء، حيث تتربّص بها الذئاب من كلّ جانب.! لا ترعى حرمة لزوج، أو عهداً لخلق، أو أثارة من أدب أو مروءة.؟!

وإذا كانت القاعدة الشرعيّة تقول: " لا ينكر تغيّر الأحكام بتبدّل الأزمان " أفليس هذا الواقع أجدر أن يتغيّر حكم الاختلاط فيه من السماح والإباحة ـ على فرض ذلك ـ إلى الحظر والمنع، بعد ما رأينا من فساد الضمائر، ومرض القلوب، وخراب الذمم، وضياع الشهامة والمروءة، التي كانت أجلى ما تتجلّى في عفّة الرجال، وترفّعهم عن النظرة العابرة إلى المرأة، تكرمة للجار، ورعاية لذمّته، فضلاً عن النظرة الخائنة الغادرة .. حتّى قال الشاعر الجاهليّ عنترة بن شداد:

وأغضّ طرفي إن بدَت لي جارتي .. حتّى يُواري جارتي مَأواها

أيّها السادة.! نحن مع عمل المرأة الشريف النظيف، الذي يحفظ عليها كرامتها، ويصون لها عفّتها، ولا يعرّضها لشيء من الابتذال أو الريبة، التي تعود عليها وعلى أسرتها ومجتمعها بأسوأ العواقب، ويقدّمها ضحيّة رخيصة، لمرضى القلوب، وأصحاب الأهواء، وتجّار الشهوات ..

نحن مع عمل المرأة الشريف النظيف، الذي تنفع فيه نفسها وبنات جنسها .. في بيئة صحّيّة، تتيح للمرأة أن تبدع وتنتج، لا أن تقضي ساعات يومها: تارة في مكتب مديرها، وأخرى في مكتب زميلها، وثالثة مع سمّاعة الهاتف، وهي تتكسّر في كلماتها، وترقّ وتتلطّف في حديثها .. والناس ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء مكالماتها، لتقول لهم: راجعوا فلاناً أو فلانة ..

نحن مع عمل المرأة طبيبة للنساء، أو معلّمة ومربّية للبنات، أو في أيّ ميدان تنفع فيه بنات جنسها من النساء .. ولسنا مع عمل المرأة، الذي يجعل شبابنا .. شباب الأمّة المنتج الناهض، يتسكّع في الطرقات، يبحث عن العمل فلا يجده، لأنّ النساء نافسنه عليه، ويكلّف بكلّ مسؤليّة ماليّة، نحو نفسه وأسرته، فلا يستطيعها، فيتأخّر زواجه، وترتفع نسبة البطالة في المجتمع والعنوسة .. ليرضى أصحاب الأهواء، ويشبعون غرائزهم ..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير