تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعدها فللمرء أن يتطلع ما يشاء ويريد ويفقه الواقع المعاصر، ويتأمل في حقائق هذا العالَم وما فيه من أفكار وقيم وتصورات.

إنَّ اهتمام المتفكر بالذكر سبيل بإذن الله تعالى لأن ينال الفكر الصحيح والحكمة الحقيقية والحصافة في النظر، وفي هذا يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: (إنَّ أهل العلم لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر والفكر على الذكر، ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة) [10] ولكن أن يحسن التعامل مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفق قواعد ذكرها أهل العلم في طريقة التعامل مع كتاب الله وسنَّة رسول الله، وسيجد حتماً ما يغذي فكره ويحرك عضلات عقله من معين الحكمة الربانية وصفاء الكلمة النبوية.

لقد أورد الإمام الشوكاني في تفسيره لمطلع سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت ....... الآية)) قصة الفيلسوف العربي الشهير إسحاق بن يوسف الكندي وأصحابه نقلاً عن أبي بكر النقاش رحمه الله أحد المفسرين في القرن الخامس الهجري، حيث قال: أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً، ثم استثنى بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلاَّ في أجلاد)!

والمقصود مِمَّا ذكرته أنَّ عبارات القرآن الكريم، وكذلك ألفاظ الحديث النبوي فيها من دلائل الإعجاز وعلائم الإيضاح والحكم، ما يمكن أن نجابه به كلام فلاسفة الشرق الغرب، فالقرآن الكريم يقول تعالى عنه: (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) وهو كذلك نور: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) والقرآن على حد وصف الشاطبي رحمه الله: (كلية الشريعة، وعمدة الملَّة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، فلا طريق إلى الله سواه ولا نجاة بغيره) [11].

بل هو المعجز في آياته: (وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد) [12] كما قاله الإمام ابن عطية.

فحق لأنصار القرآن والسنَّة أن يصيحوا بين عموم ومعشر المثقفين والقراء وخصوصاً من الشباب المتقدم للقراءة، بأن يبدؤوا القراءة بكتاب الله، فهي وصية الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم التي علَّمه إياها جبريل قائلا له: (اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علَّم بالقلم * علَّم الإنسان ما لم يعلم).

فمن أراد أن يقرأ فليقرأ القرآن أولاً، وليقرأ باسم ربِّه ثانيا، وليقرأ سنَّة وسيرة رسوله ثالثاً، وليتمكَّن من فهم الوحيين كتاباً وسنَّة على الأقل إلى حد معقول، مع دوام الملازمة لهما إلى الممات: (فأين تذهبون * إن هو إلا ذكر للعالمين* لمن شاء منكم أن يستقيم)، فمن شاء الاستقامة الدينية والعقائدية فلا غنى له عن القرآن، ومن شاء الاستقامة السلوكية فعليه بالقرآن، ومن شاء أن يستقيم فكرياً فعليه بالقرآن، ومن لم يقنعه القرآن فلا استقام ولا أقام وما تفكر بل طبع على قلبه الران.

والقرآن لأهل الفكر مرجع لا غنى عنه ففي القرآن الكريم أكثر من (1300) آية كونية، وفي كتاب الله أكثر من (700) آية تدعو للتفكر والتعقل والتدبر، فليس من جميع العلوم الإنسانية مثيل بعلوم القرآن وهو كلام الرحمن الذي: (يعطيك معانٍ غير محدودة في كلمات محدودة) [13]، كما يقول الأديب الرافعي رحمه الله، لكنَّ الإشكال الكبير أنَّنا بتنا نقرأ القرآن (للتبرك لا للتحرك) كما كان يقول الشيخ الراحل محمد الغزالي رحمه الله، وهو بهذا يشرح الحالة النفسية التي يتعامل بها كثير من المسلمين اليوم مع كتاب الله تعالى، فيهتمون به في حالة القراءة على الأموات! فصار الكتاب الذي جاء ليحيي الأحياء يقرأه الأحياء على الأموات ويكتفون بذلك! وهذه حالة عامة في كثير من بيوت العرب والمسلمين ويدخل فيهم الكثير من المنتسبين للفكر والثقافة والفلسفة!

· بل تشمئز قلوب بعضهم من حفظة القرآن والسنَّة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير