تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولأجله صار بعض المنسوبين للدعوة أو العلم يجاهر بفعل المعاصي التي كان العامي الملتزم يستحيي أن يذكرها عن نفسه منذ عقد من الزمان أو عقدين! وقد قرأت بعيني كلام عالم يذكر عن نفسه سماع فلان وعلان من أهل الطرب، ومشاهدة فلان من أهل المسرح والتمثيل! وسمعت بأذني كلام (داعية) يتعمد ذكر عناوين الأفلام والمسلسلات الأمريكية، ويذكر عن نفسه أنه يشاهدها!

ولأجل هذا المقصد أفتى أحد الجهلة – فيما نُقل - بإباحة القبلات بين المراهقين والمراهقات في الأماكن العامة، وأن الحجاب عادة وليس واجبا؛ وأفتى آخر بجواز استعمال الأدوات الجنسية قبل الزواج، وبجواز شرب المرأة المتوحمة الخمر!

ويتأكد هذا المعنى، إذا كانت الفتوى في شيء عمت البلوى به، حتى نشأ عليه الصغير، وشاب عليه الكبير. فحينئذ يصعب على المفتي المسكين أن يخالف المألوف المتداول بين عوام الناس، لما في تلك المخالفة من مجاهرتهم بما لا يرتضونه، ومجابهتهم بما لا يحبونه. فلا يزال الواقع الطاغي يضغط على المسكين، حتى يجعل نفسه منفصمة بين سبيلين متناقضين، لا يملك الجمع بينهما: موافقة الشرع وإرضاء الناس.

ثم لا يلبث أن يجد في قول فقهي شاذ مرذول، ما يمكّنه من هذا الجمع، ولو بهدم بناء الاستدلال الفقهي من أصله. فإذا به يطير بذلك القول فرحا، ويبثه في الناس متهللا محبورا.

وأفضل مثال على هذا: مسألة المعازف، فإن الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمها من القوة بمكان، وفي التحريم إجماع - أو ما يشبه الإجماع، في أقل الأحوال. ومع ذلك تجد بعض المعاصرين يستميتون في الاستدلال على الإباحة، فيحشدون كل غث من الأقوال، ويتشبثون بكل شبهة يجعلونها دليلا قائما، ويردون كل دليل يخالف هواهم بالاحتمالات العقلية البعيدة.

ولست أشك أن مرجع هذا كله، إنما هو إلى انتشار المعازف في هذا الزمان انتشارا بالغا، حتى لا يكاد يسلم منها مكان. والدليل على ذلك أنهم يحرمون بعض الأشياء التي يكون دليل تحريمها أضعف من دليل تحريم المعازف بكثير.

...

4 - ومن الأسباب أيضا حب المخالفة، لأنها - فيما يحسب المسكين - دليل القوة العلمية، والتميز المعرفي، وذلك على قاعدة (خالف تُعرف)!

''فإنما يقلد الجاهل، وإنما يجتهد العالم! ''

''وإذا أنا خرجت من إسار المألوف العلمي في البيئة الذي أنا فيها، وتركتُ تقليد الشائع المتداول، فما ذلك إلا لقوة مداركي العلمية، وجرأتي الفكرية! ''

وقد يصرح بعضهم بادعاء الشجاعة في هذه المخالفة، فيقول مثلا: (هذا القول الذي أتبناه، يراه غيري من العلماء، ولكنهم لا يجرؤون على إظهاره).

ومثل هذا يقال له: إن صح ما تقول – ولا سبيل إلى التحقق من ذلك - أفلا سكتّ كما سكتوا؟

...

5 - ومن الأسباب أيضا أن بعض الدعاة والخطباء قد وقع لهم انفتاح سريع على الغرب، وعلى حضارته الأخاذة، التي تبهر الألباب، وتأخذ بمجامع القلوب؛ وذلك إما عن طريق السفر للدعوة ونحوها، أو عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، من قنوات فضائية وشبكة عنكبوتية ونحو ذلك.

وقد كانوا قبل ذلك في بيئة منغلقة، شددوا فيها على أنفسهم، دون أن يكون ذلك عن علم راسخ، ولا فقه رصين؛ فلما انفتحوا على غير بيئتهم الأصلية، أفضى بهم ذلك إلى نوع من التحلل، والانسلاخ من القيود، وصاروا يسبّحون بحمد الغرب تأصيلا وتفريعا.

...

والكلام في هذه الأسباب وغيرها يطول بنا جدا.

ولكن ما السبيل إلى قطع الطريق أمام هؤلاء المفتونين، الذي يخرجون علينا بهذه الفتاوى الشاذة الغريبة؟

أعظم سبيل إلى ذلك أن ينشر في الناس أن يأخذوا فتاواهم من أهل العلم المعتبرين، ويجتنبوا فتاوى المرتزقة وأنصاف المثقفين.

وأمام هذا الإرشاد والبيان عقبات وإشكالات، ولهذه الإشكالات حلول مقترحات.

ولكن ذلك يأتي في حديث مقبل إن شاء الله تعالى.

البشير عصام

14 رجب 1431

ـــــــــ

(1) إعلام الموقعين (2/ 17).

(2) المقصود بهذا من كان متصدرا للدعوة والوعظ دون أن يكون من أهل العلم. وما أكثرهم!

ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[27 - 06 - 10, 12:30 ص]ـ

بارك الله فيك شيخنا أبا محمَّد ونفع بك

في انتظار البقيَّة، أسأل الله أن يعينك ويسدِّدك

ـ[أبو سفيان الأزدي]ــــــــ[27 - 06 - 10, 01:00 ص]ـ

جزاكم الله خيرا ورفع قدركم

ـ[أبو أسامة القحطاني]ــــــــ[27 - 06 - 10, 08:14 ص]ـ

أحسن الله بكم , وبارك الله فيكم

وبانتظار الحديث المقبل.

ـ[ابن العنبر]ــــــــ[27 - 06 - 10, 10:58 ص]ـ

لعل من الاسباب

نقص التأصيل العلمي

وفيما يظهر لي أن المستشرقين أدوا دورهم في ذلك

أضف قلة الورع والزهد

فضلاً عن حب الشهر - فهو داء عضال - سلمنا الله واياكم منه

وكذا فتااوى اوعلماء السلطة

ذُكر أن الشيخ ابن عثمين: العلماء ثلاثة: عالم سلطة يتبع هوى السلطان , وعالم عامة يتبع هوى العامة , وعالم رباني لا يخشى في الله لومة لائم "

لاشك أن التنظير والتقعيد لهذه الامور ربما يكون سهلاً ويسرًا, لن الاشكال والغضال في التطبيق

فمقابلة العامة

وكذا السلطة لها حضوض في النفس شاء ام ابي

وكانوا يقولن قديمًا " السلامة لا يعدلها شيء"

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير