ثم إن ما نقل عنه من جواز الغناء في العرس وبضرب الدف من النساء وهذا خارج عن محل النزاع!
روى النسائي بسند حسن (3383) عن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظه بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أنتما صاحبا رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن أهل بدر يفعل هذا عندكم فقال اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت اذهب قد رخص لنا في اللهو عند العرس.
فقولهم رخص لنا في اللهو عند العرس، دل على أن ما سواه لا يجوز فيه الغناء بالمعازف.
والمقصود بالغناء هنا أيضاً ضرب الدف فقط، بدليل مارواه البيهقي في السنن الكبرى (14470) وجواري يضربن بالدف ويغنين.
* الخطأ الثالث:نقل أن القرطبي حكى في تفسيره جواز الغناء عن أبي زكريا الساجي.
والصواب: زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر بن عدى بن عبد الرحمن البصرى أبو يحيى الساجى الحافظ كان من الثقات الأئمة، متوفى سنة سبع وثلاثمائة. ترجم له السبكي في طبقات الشافعية (3/ 299) هذا أولاً.
وثانياً: الصحيح عنه خلاف ذلك فقد ذكر أنه لم يخالف في ذلك من الفقهاء المتقدمين (أي في تحريم الغناء) إلا إبراهيم بن سعد من أهل البصرة. قاله الإمام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (198/ 25).
الوقفة السادسة: أوهم الكلباني أن ابن قدامه ذكر الخلاف في جواز الغناء بالمعازف
فنقل عن ابن قدامة قوله: واختلف أصحابنا في الغناء؛ فذهب أبو بكر الخلال، وصاحبه أبو بكر عبد العزيز، إلى إباحته.
قال أبو بكر عبد العزيز: والغناء والنوح معنى واحد، مباح ما لم يكن معه منكر، ولا فيه طعن.وكان الخلال يحمل الكراهة من أحمد على الأفعال المذمومة، لا على القول بعينه.
وروي عن أحمد، أنه سمع عند ابنه صالح قوالا، فلم ينكر عليه، وقال له صالح: يا أبت، أليس كنت تكره هذا؟ فقال: إنه قيل لي: إنهم يستعملون المنكر،وممن ذهب إلى إباحته من غير كراهة، سعد بن إبراهيم، وكثير من أهل المدينة، والعنبري، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغناء زاد الراكب،واختار القاضي أنه مكروه غير محرم. وهو قول الشافعي، قال: هو من اللهو المكروه.أهـ
والجواب أن المقصود بالغناء الذي ساق ابن قدامة الخلاف فيه هو الغناء بغير المعازف لاشك في ذلك،لأمور:
أولها: أن ابن قدامة نقل الإجماع على حرمة الغناء بالمعازف في كتابه ذم الرقص والشبابة (27) فكيف ينقل الإجماع على تحريمه ثم يسوق هنا الخلاف فيه!
ثانيها: أن ابن قدامة في المغني (12/ 40) عقد فصلاً في الملاهي قال فيه:" وهي على ثلاثة أضرب: (محرم) وهو ضرب الأوتاد والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها فمن أدام استماعها ردت شهادة .. ". ثم ثنا بذكر حكم الغناء بعده في المغني (12/ 42) فدل على ماذكرت.
ثالثها: أن الكلباني عفا الله عنه لما نقل كلام ابن قدامة لم يتم بقيته مما يكون حجة عليه حتى ولو على صحة ما فرضه من وجود الخلاف في الغناء بالمعازف!
قال ابن قدامة في المغني (12/ 42):"وعلى كل حال من اتخذ الغناء صناعة يؤتى له ويأتي له أو اتخذ غلاما أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسوقه وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترنم لنفسه ولا يغني الناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبنى هذا الخلاف فيه فمن أباحه أو كرهه لم ترد شهادته ومن حرمه قال إن داوم عليه ردت شهادته كسائر الصغائر وإن لم يداوم عليه لم ترد شهادته وإن فعله من يعتقد حله فقياس المذهب إنه لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه كسائر المختلف فيه من الفروع ومن كان يغشى بيوت الغناء أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك وكثر منه ردت شهادته في قولهم جميعا لأنه سفه ودناءة وإن كان معتبرا به كالمغني لنفسه على ما ذكر من التفصيل فيه".
الوقفة السابعة:
¥