تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفارض التائية ـ ويتناشدونها بحضرة كاتب السر ويطيبون لما ينشدونه منها، فقلت: اسمعا، وقرأت لهما من كلام ابن عربي فصلاً فكان ابن جمال الدين يذكر بعض ما سمع من تأويلاتهم فأرخى له وأقول له اسمع، فلما تكرر على سمعه كفره وقال بحدة مفرطة: لعن الله من يقول هذا أو يستجيز سماعه، وتفرقا وهما يكادان يتزايلان غضباً.)

3 ـ وعرف الصوفية فبذلوا جهدهم حتى لا يحدث اجتماع بين البقاعي وكاتب السر مخافة أن ينجح البقاعي في إستمالة كاتب السر إليه، يقول البقاعي: (فكأنهم سعوا في عدم إرساله إلىّ فإنهم يعلمون أن ما أقوله لا يسمعه مسلم إلا نفر منه أشد نفرة، ولما عملت الميعاد أى الندوة في جامع الظاهرى الحسينية يوم الجمعة .. وكان في قوله تعالى في سورة التغابن: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا .. إلى قوله تعالى: وعلى الله فيتوكل المؤمنون، قررت لهم أمر البعث وأمر التوحيد وقلت أن فرعون ادعى أنه الرب الأعلى فعليه لعنة الله، وثمة طائفة تنصر مذهبه ويدعون أنهم يصلون إلى الله من طريق غير طريق نبيه محمد (ص) وقد كذبوا وكفروا وهم أذل وأقل عددا، ووصلت هذا بما يلائمه من إحاطة رسالة النبى (ص) ومن وعد الله بإظهار دينه على الدين كله إلى غير ذلك من المرققات، إلى أن ضج الحاضرون ودعوا على من يتمذهب بذلك المذهب الأخبث ودعوا لى بالنصرة ونحو هذا، وكان مجلساً حسناً.)

4 ـ وبسبب ثبات البقاعي بدأت المشاعر تتجه نحوه وتميل عن الصوفية، وذلك هو الشأن في دعوات الحق التى تواجه العقائد الضالة، فتلك العقائد الضالة تستند إلى خرافات اكتسبت قدسية لمجرد أن القرون مرت عليها دون أن تجد من يتصدى لتنفيذها، فإذا وجدت عالماً شجاعاً يفعل ذلك ثار عليه المدافعون عن تلك الخرافات والأشياخ الذين يستفيدون منها وحاولوا إخافته بما ترسب في وجدانهم من خوف من الاعتراض على تلك الخرافات، فإذا ثبت صاحبنا على مبدئه ورأوا أنه لم تحدث له كارثة بسبب اعتراضه يبدأ الموقف يتغير لصالح، وذلك بالضبط ما حدث في كائنة البقاعي وما يمكن أن يحدث في أى حالة مماثلة.

ونرى العوام في بداية الأمر كانوا ضد البقاعي حتى لقد كانوا يؤذون أتباعه في الطرقات، وحتى لقد فكر خصمه عبد الرحيم أن يقودهم في مظاهرة لتقوم بقتل البقاعي وتنهب بيته، ثم بعد أن ظل البقاعى متماسكاً صامداً يقرر رأيه في المسجد جاءوا إليه يستمعون، وضجوا يؤمنون على دعواه على خصومه.

يقول البقاعي يصف ذلك التطور المبشر في قضيته: (وكان مجلساً حسناً، ثم اطلعت على أن الله تعالى أيدنى عليهم حال استفتائهم بأمور منها، أنهم استفتوا قاضى الحنابلة المعز ابن نصر الله الكناني فكتب لهم بتكفير ابن الفارض وكل من تمذهب بمذهبه واحتج لذلك وذكر من قال به من العلماء، وأطال في ذلك، وأن البرهان بن العبري قال لعبد الرحيم، والله أنى لأخاف على رقبتك أن تضرب فاستمع منى فإني ناصحك ولا تغتر بمن يغرك، وكذا قال لهم البرهان اللقاني).

إذن تشجع بعض الساكنين فأفتوا بتأييد البقاعي، بل وبدأ بعضهم يخوف عبد الرحيم بعد أن كانوا يخوفون البقاعي من قبل، وازداد أنصار البقاعي وتحول الرأي العام نحوه، يقول البقاعى: (ثم عدوا .. من معى ستة قاضى الحنفية المحب بن الشحنة وولده السرى عبد البر والكمال ابن إمام الكاملية وقاضى الحنابلة المشار إليه والبرهان اللقاني، ولما رأى الناس تطاول القضية وهم دابرون ـ أى منهزمون ـ ولا يظهر لهم أثر مع أنى جالس في مجلسى على أحسن حال لم اجتمع بأحد علموا أنه لا قوة لهم فأطلق الله ألسنتهم بالثناء على وبان العز .. ) وما بعد ذلك ضائع من المخطوطة.

كان الأولى بقاضى الحنابلة عز الدين الكناني أن يكون أول من ينكر على الصوفية تِأسيساً بابن تيمية الحنبلي في القرن السابع ومدرسته من الفقهاء، ولكن المهم أن صمود البقاعي أمام حرب التخويف والأعصاب جعلته يكسب في النهاية، ولما تطاول عليه الأمر دون أن يحدث له سوء بدأ العوام يغيرون رأيهم فيما فمالوا نحوه، وتعين على أعدائه من الصوفية أن يقبلوا المجادلة معه حسبما طلب، وكان ذلك في حد ذاته مشكلة عويصة لهم، فهم يدافعون عن مذهب لا يعرفون عنه شيئاً ويؤمنون بعقائد لا تستقيم مع العقل ولا مع الدين الحقيقي، وخصمهم البقاعي أعرف بمذهبهم منهم وهو أقدر على إفحامهم في الجدال، يقول البقاعي: (

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير