تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عقدوا المشورة في أمرى عدة مرات، يديرون الرأى فيمن ينتدب لى في المناظرة وقت عقد المجلس، وكلما أعدوا واحداً للمناظرة قالوا هو فقيه فج يفوقه البقاعي بالمعقولات ـ أى بعلم المنطق ـ وإن ذكروا واحداً جمع النقل والعقل قالوا يفوقه بالتبحر في السنة، وإن رأوا آخر ظنوه جامعاً لذلك قالوا يفوقه بالتفوق وقوة العارضة والصلابة، فكان ذلك من أعظم المؤيدات وازدادت قوتى وضعفت قوتهم، فسافر عبد الرحيم إلى رزقه له ـ أى ضيعة ـ في الريف وخف الهرج والمرج في ذلك.)

موقف القاضى المؤرخ ابن الصيرفى من كائنة البقاعى:

1 ـ التجاهل

والعجيب إن كل ذلك الهرج والمرج لم يذكر عنه المؤرخ ابن الصيرفى شيئا، مع أنه كان لصيقاً بكاتب السر ابن مزهر الأنصارى متتبعا اخباره، ومهتماً بما يحدث في مجتمع الفقهاء والأشياخ، ولا شك إنه كان منغمساً فيما يحدث ضد البقاعى إلا أنه على العكس من ذلك تجاهل كل ما حدث فى كائنة البقاعي سنة 874، بل أنه اختصر أخبار شهور شوال وذى القعدة وذى الحجة التى حدثت فيها كائنة البقاعي في هذا العام سنة 874 فاحتلت صفحتين فقط في كتابه مع أن العادة أنه يكتب عشرات الصفحات في أحداث الشهر الواحد.

وبدأ البقاعي يذكر أول أخبار عن كائنة البقاعي في أول محرم 875ن فهو يقول: (فيه صعد قضاة القضاة ومشايخ القضاة ومشايخ الإسلام لتهنئتة السلطان بالشهر العربي على العادة ولم يتكلموا في شيء من أمر ابن الفارض لا بنفي ولا إثبات، وطلع البرهان البقاعي في هذا اليوم قبل كل أحد وجلس بالجامع وصحبته كتب كبيرة، وليس راجعاً عما قاله في كلام الشيخ ابن الفارض وتكفيره، وبلغني من عدة جماعات أنه أوصى، ـ أى استعد للموت بالوصية ـ وعنده أن هذا الأمر ليس المتكلم فيه إلا قربة محضة ـ أى تقربا لله عز وجل واحتسابا ـ فإن قتل قتل شهيداً.)

وواضح مما ذكره ابن الصيرفي أن الشيوخ دخلوا على السلطان قايتباى يهنئونه بالشهر على العادة وقد تجنبوا الخوض في قضية البقاعي وتكفيره لابن الفارض، وفي نفس الوقت استعد البقاعي للمجادلة، وسبق الحاضرين في الحضور، واستحضر معه الكتب التى تؤيد كلامه، ولا ريب أن منها ديوان ابن الفارض وفيه التائية الكبري بالإضافة إلى فصوص الحكم لابن عربي والفتوحات المكية له، وغيرها من مؤلفات الصوفية أو مؤلفات المنكرين عليهم، وهو مصمم على رأيه، وقد بلغ ابن الصيرفي أنه قد كتب وصيته كأنه يتوقع الموت ويستعد له، وأنه يعتقد أن الأمر بالنسبة له قربة يتقرب بها لله، وهذا ما قرره ابن الصيرفي وهو كما سنعلم خصم في هذه القضية للبقاعي.

وواضح أن سكوت القضاة أمام السلطان عن الخوض في ذلك الموضوع وهو موضوع الساعة إنما كان بتأثير كاتب السر، وقد سعى في تأخير عقد ذلك المجلس ما استطاع خوفاً من أن ينتصر عليه البقاعي أمام السلطان، ولا شك أن مبادرة البقاعي بالمجيء مبكراً ومعه تلك الكتب قد أفزع كاتب السر، فذلك من شأنه أن يثبت للسلطان جهل خصوم البقاعى كلهم وأولهم كاتب السر.

وانتهى الأمر إلى لا شيء إذا أن خصوم البقاعي قالوا لكاتب السر: أن طلوع البقاعي على هذا الحال معناه أننا عنده أقل القليل وهذا ازدراء عظيم لا يحتمل، فقال لهم كاتب السر: لا أقدر أرد أحداً عن اعتقاده يقول البقاعي معلقاً "فعلم الآن أن لا شيء بيده".

2 ـ حرب المنامات:

وانتهى الأمر رسمياً بالإغضاء عن الموضوع وعدم عقد مجلس بشأنه، ولكن ابن الصيرفي لم يسكت ولم يسكت معه بعض ذيول الصوفية، يقول ابن الصيرفي ينشر دعايته ضد البقاعي "وقع لى من وجه صحيح أخبرنى به الشيخ العلامة الرباني شيخ الإسلام زكريا الشافعي أبقاه الله تعالى أن الجناب العالى العلائى على بن خاص بك صهر المقام شريف نصره الله، أنه ركب إلى جهة القرافة ورأى شخصاً أمامه عليه سمت وهيئة جميلة، فصال يحبس لجام الفرس وهو خلفه إذا وافي الرجل رجل عظيم الهيئة جداً فتحادثاً وانصرف الرجل المذكور أعنى الثاني فسأل سيدى على من الأول: من هو هذا الرجل؟ فقال له: أنت ما تعرفه؟ ثلاث مرات، وهو يقول لا. فقال: هذا عمر بن الفارض في كل يوم يصعد من هذا المكان وهو يسعى في أن الله تعالى يكفيه فيمن تكلم فيه" وذهب الرجل فلم يعرف من أى مكان توجه والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير