تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه أسطورة حيكت لتجعل ابن الفارض يخرج من قبره ليدعو على من أنكر عليه، ومن شأنها أن تخيف أولئك الذين يقدسون الأولياء ويعتقدون في نفعهم وضررهم، وبعض من يقرؤها في عصرنا قد يتأثر بها، فكيف بهم في عصر قايتباى.

3 ـ محاولات الاعتداء على البقاعى

وذكر ابن الصيرفي حادثاً وقع يوم الجمعة 2 رمضان 875 يقول " أن البرهان البقاعي عمل ميعاداً بالجامع الظاهرى بيبرس البندقدارى خارج القاهرة بالحسينية (حى الظاهر الآن) فحضر جماعة إليه قصداً (أى عمداً) من معتقدى سيدى الشيخ عمر بن الفارض نفع الله به، وأساءوا عليه على ما بلغني، فشكاهم لقصروه الحاجب فطلبهم ورسم عليهم، ثم أن البقاعي طلب جماعة من جهته وأوقفهم في عدة مواضع ومفارق ومخارص من الطرقات وبأيديهم العصى والخشب، وقرر معهم إذا مروا عليهم فيضربونهم وينكلون بهم، فبلغ ذلك رئيس الدنيا ابن مزهر الأنصاري كاتب السر الشريف عظم الله شأنه فأرسل إليهم بداوداره بركات فأطلقوهم أى أطلقوا أولئك الذين قبض عليهم قصروه الحاجب وتكاثرت الأدعية له، حفظه الله تعالى على المسلمين.

ثم في يوم السبت ثالثة أى 3 رمضان أصبح البقاعي على ما أمسى وشكى خصومه لبيت الأمير تمر حاجبل الحجاب وأعلمه بما أراد، فاجتمع الجم الغفير والخلائق أفواجا وحضر من العلماء والفضلاء جماعات منهم الشيخ بدرالدين بن القطان والشيخ تاج الدين ابن شرف والشيخ الخطيب الوزيري، وبرزوا للبقاعي وطلبوه فحضر بين يدى الأمير المذكور وأراد الطلوع من المقعد فما مكنه خصومه ووقف من تحت المقعد وجلس المشايخ المذكورون وادعى على جماعة منهم فيهم شخص شريف حضروا إليه إلى مسجده ليقتلوه بطبر، فقال له الشيخ بدر الدين بن القطان: لا تقل مسجدى فإن المساجد لله وترضوا عن الشيخ عمر بن الفارض ولعنوا وكفروا من يكفره، وحصل له أى البقاعي بهدلة ما توصف، وانفصلوا على غير طائل، ولم يحصل للبقاعي مقصوده، ولا غرضه، فإنه مخمول سيماً أنه يتعرض لجناب سيدى الأستاذ العارف بالله عمر بن الفارض).

والصيرفي يوضح انحيازه ضد البقاعي في الفقرة الأخيرة، ويجعلنا لا نثق في صدق روايته للحادث، فلم نعرف منه أقوال البقاعي ولا رده على خصومه وإن كنا قد فهمنا منه أن بعضهم حاول إيذاءه وأنه استعان بأعوانه في حماية المسجد الذى يقرر فيه دعوته، وإن كاتب السر تدخل لإطلاق سراح أولئك المعتدين، وكذلك فعل أخرون حينما اشتكي البقاعي وأولئك الذين حاول قتله في المسجد، وانتهى الأمر علي غير طائل حسبما يقول ابن الصيرفي.

وتعرض ابن الصيرفي فيما بعد للبقاعي فترجم له في السنة التى مات فيها وحاول إنصافه، ثم ضاعت بقية الترجمة مثلما ضاعت صفحات من كائنة البقاعي في تاريخ البقاعي.

آثار كائنة البقاعي:

1 ـ وقد أثمرت حركة البقاعي هزة في تلك الحقبة الراكدة ظهر أثرها بين القضاة فانضم بعضهم إلى البقاعى فكون منهم جماعة أهل السنة على حد تعبيره، يقول في تاريخه المخطوط: (تخاصم شخص من جماعة أهل السنة يقال له محمد الشغرى مع جماعة من الفارضيين من سويقة صفية فرفعوه إلى قاضى المالكية البرهان وأدعوا عليه أنه كفر ابن الفارض فأجاب بأنه قال بأن العلماء قالوا بكفره، فضربه القاضى بالسياط وأمر بتجريسه بالمناداة عليه في البلد، هذا جزاء من يقع في الأولياء، ثم توسط القاضى الشافعي لدى المالكي حتى أطلقه من الحبس، وقال الشافعي: أيفعل مع هذا هكذا ولم يقل إلا ما قاله العلماء، ويرفع إليهم حربي ـ أى نصرانى أوربى ـ استهزأ بدين الإسلام في جامع من جوامع المسلمين ولا يفعلون به مثل ما فعلوا بهذا مع أنه حصل اللوم في أمره من السلطان ومن دونه ولم يؤثر شيء من ذلك .. هذا كله والحال أن البرهان المذكورـ أى القاضى المالكى سابق الذكر ـ قال لغير واحد: أن له أكثر من ثلاثين سنة يعتقد كفر ابن الفارض.).

وبمدرسة أهل السنة استطاع البقاعي أن يوقف الكثير من البدع مثل المصطلحات الجديدة التي أدخلها الصوفية في الأذن فوق المنابر.

2 ـ إن أثار حركة البقاعي لم تقتصر على الصراع السياسي وإنما امتدت إلى الناحية الثقافية والعقلية في ذلك العصر الراكد الساكن، فقد نشط خصومه فيما بعد للرد عليه فكتبوه "ترياق الأفاعي في الرد على البقاعي" والسيوطي الذى لخص البقاعي في المناسبات القرآنية لم يتورع عن الهجوم على البقاعي وحركته فألف كتاب "قمع المعارض في الرد عن ابن الفارض وبذلك حاولوا الرد على البقاعي وكتابيه "تحذير العباد" "وتنبيه الغبي".

وكأنها كانت قطعة حجر سقطت في بركة ماء ساكنة فأحدثت تموجات على السطح ولكن إلى حين، إذ ما لبث السكون أن عاد والحجر نفسه ما لبث أن غطته القواقع والطحالب، واستمرت البركة ساكنة بقواقعها إلى أن دهمها نابليون بونابرت فهرعوا إلى مقاومته بالأوراد وصحيح البخارى.

ختاما:

كائنة البقاعى هى مرحلة من مراحل الصراع بين دينى السّنة و التصوف، وتعتبر امتدادا لمرحلة الصراع الكبرى التى أشعلها ابن تيمية فى القرن السابق للبقاعى، ولكن من سوء حظ البقاعى أن جاء فى عصر خامل جامد. وهكذا كان حظ الإمام البقاعي المفكر الثائر المجهول في عصر الخمول.

==================

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير