تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قولهم: (فلانٌ صَاحبُ سُنَّة) (1)

ـ[سليل الأكابر]ــــــــ[27 - 06 - 10, 03:30 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي رفع أقدار أهل السنَّة، وأسبغ عليهم وافر الفضل والمِنَّة، ووعدهم بالنُّضْرَة وأوجب لهم الجنَّة، وجعلهم من كيد أعداءهم في جُنَّة، أما بعد:

فإنَّ من مفاخر الأوصاف، وشريف التزكيات ... قول أئمتنا النُّقَّاد البهاليل (1)، في مَعْرِض التزكية والتعديل: (فلانٌ صاحبُ سُنَّةٍ) (2).

فما أجلَّ هذا الوصف، وما أجملَ بريقه، وما أحسن معناه وتركيبه، وهو لعمري وسامُ عِزٍّ يَتَقَلَّدُه المؤمنُ في زمنٍ أطلت فيه الفتن والأهواء والبدع المحدثة على الناس، لا أقول برأسها بل برؤوسها، ولا نجاة منها إلا بالتمسك بـ"السنة" والاعتصام بها كما قال الإمام الزُّهْرِيُّ: (كَانَ مَنْ مَضَى مِنْ عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الاِعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ).

فمن ألزم نفسه اتباع "السنة" اعتقاداً وعملاً وهدياً وسلوكاً، أفلح وأنجح.

ولا مقام أشرف ولا أهدى من متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه.

وشرف المؤمن ومنزلته إنما يقاس باتباعه، فكلما كان تَحَرِّيه للسنَّة أكثر كان بالدرجات العلى أحقّ وأجدر.

فـ"صاحب السنة" أكثر الناس تحرِّياً لـ"السنَّة" في أقواله وأفعاله، وسكونه وانفِعَاله، وصلاته وصِلاته، وقعوده وقيامه، ونومه ولباسه، وأكله وشربه،، وهديه وسمته، وعبادته ومعاملته، وفي شأنه كلِّه.

وهو أكثر الناس تعظيماً لها، وتمسكاً بها، ودعوةً إليها، وغَيرةً عليها، ودفاعاً عنها، ونصرةً لها.

فإن أَخَلَّ بشيءٍ من ذلك وأَنقَص، نَقَصَ نَصِيبُه من هذا الوصف بمقدار ما أَخَلَّ وأنقص.

وفي هذا يقول البربهاري في "شرح السنة": (ولا يحل لرجلٍ أن يقول: "فلانٌ صاحبُ سُنَّةٍ" حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، فلا يقال له "صاحبُ سُنَّةٍ" حتى تجتمع فيه السنة كلها).

فهذا الوصف الرفيع -أيها الأفاضل- ليس ينال بالأماني والدعاوي، بل لا بد له من جهاد واجتهاد، وصبر ومصابرة، ... وما نيل المطالب بالتمني.

والمسكُ ما قد شَفَّ عن نَفسِه ... لا ما غَدَا يَمدَحُه بَائِعُه

وما استحق الإمام أحمد لقب "إمام أهل السنة" إلا بمحنة عظيمة ميزت الصادق من الكاذب، والقوي من الضعيف، حتى خرج منها -رحمه الله- ذَهَباً مُصَفَّى.

وأولى الناس بنيل هذا الوصف الجليل هم أصحاب الحديث.

ومما يقبح بالحديثي [المشتغل بالحديث] أن يَبْرَعَ في الآلة ويُخِلَّ بالغاية، فتجده يفني دهره في التصحيح والتضعيف، والتعليل والترجيح -ونِعْمَ العَمَل-، لكنه في ميدان الاتباع والتأسي والنصرة والدفاع -وهو الأهم- تجده فاتر العزم، بطيء الهمة، قليل العمل.

فالزم أيها الحديثيُّ "السنَّةَ" في خاصة نفسك، ولا تحك رأسك إلا بأثر، واعلم أنَّ الاتباعَ مفتاحُ السَّعادة، وعنوانُ صدقِ "المحبَّة" {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.

فالله الله -إخواني- بلزوم السنة، والعمل بها، والسعي على نشرها، والدفاع عنها -ما استطعنا- باللسان الناطق والقلم الناصح الصادق، ولا تخشوا في ذلك مَلاماً أو عِتَاباً.

اللهم اجعلنا بالسنة مستمسكين، وإليها داعين، وعن حياضها ذابين مدافعين.

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن وصوارف المحن.

اللهم اقبضنا إليك غير مغيِّرين ولا مبدِّلين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتب محبكم: السليل.

-------

(1) البهاليل: جمع بُهْلُولُ، وهو: السيد العزيز الجامع لكل خير.

(2) لا أظنه يغيب عن بالك -أيها الحديثي- أنَّ هذا الوصفَ متعلقٌ بأحد ركني التوثيق في باب الرواية، وهو (العدالة)، فلا يلزم من وصف الراوي بأنه (صاحب سنة) قبول روايته، فالعدالة وحدها لا تكفي ما لم تقترن بالضبط والإتقان.

ـ[خالد بن عمر]ــــــــ[27 - 06 - 10, 04:08 م]ـ

وأولى الناس بنيل هذا الوصف الجليل هم أصحاب الحديث.

ومما يقبح بالحديثي [المشتغل بالحديث] أن يَبْرَعَ في الآلة ويُخِلَّ بالغاية، فتجده يفني دهره في التصحيح والتضعيف، والتعليل والترجيح -ونِعْمَ العَمَل-، لكنه في ميدان الاتباع والتأسي والنصرة والدفاع -وهو الأهم- تجده فاتر العزم، بطيء الهمة، قليل العمل.

فالزم أيها الحديثيُّ "السنَّةَ" في خاصة نفسك، ولا تحك رأسك إلا بأثر، واعلم أنَّ الاتباعَ مفتاحُ السَّعادة، وعنوانُ صدقِ "المحبَّة" {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}.

فالله الله -إخواني- بلزوم السنة، والعمل بها، والسعي على نشرها، والدفاع عنها -ما استطعنا- باللسان الناطق والقلم الناصح الصادق، ولا تخشوا في ذلك مَلاماً أو عِتَاباً.

بارك الله في أخي الفاضل الشيخ ياسر العسكر

تذكرة نافعة، ووصية مهمة في هذا العصر الذي أهدرت فيه قيمة السُّنِّي المتمسِّك، بل ربما وصف بالجمود والتَّحجُّر من بعض المميِّعين المحسوبين على الحديث وأهله.

صاحب السُّنَّة حقَّا هو من حقَّق مقام الإحسان، ولم يركن إلى تزكية من فلان أو فلان، فقد ظهر لأصحاب الحِجى أنَّ غالب التَّزكيات كانت سلعة رخيصة تعطى لمن وافق المشرب، وتنزع عن مستحِّقها ولو كان أولى النَّاس بها، لذا فلا تعجب حينما ترى من زُكِّي ووصف بأنَّه محدِّث سُنِّي ينقلب بين عشيَّة وضحاها إلى مدافع عن البدع وأهلها ومحام عنهم بحجَّة الإنصاف.

أسأل الله أن يعيننا على التَّمسُّك بالسُّنة والذَّبِّ عنها، وأن لا يضلَّنا عن الحقِّ بعد أن هدانا إليه.

لا تحرمنا من مشاركاتك النَّافعة وفقك الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير