تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفرح؛ كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة).

وقال الخطابي في أعلام الحديث (1/ 591) تعليقا على هذا الحديث: (وكان الشعر الذي تغنيان به في وصف الحرب والشجاعة والبأس وما يجري في القتال بين أهله، وهو إذا صُرف إلى جهاد الكفار وإلى معنى التحريض على قتالهم كان معونة في أمر الدين وقمعا لأهل الكفر، فلذلك رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فأما الغناء بذكر الفواحش والابتهار بالحُرم والمجاهرة بالمنكر من القول فهو المحظور من الغناء المسقط للمروءة، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يجري شيء من ذلك بحضرته فيرضاه، أو يغفل النكير لهُ) إلى أن قال: (فأما الترنم بالبيت والبيتين وتطريب الصوت بذلك مما ليس فيهِ فحش أو ذكر محظور فليس مما يسقط المروءة أو يقدح في الشهادة، وكان عمر بن الخطاب لا ينكر من الغناء النَّصْب [وهو شبيه الحُداء] والحُداء ونحوهما من القول، وقد رخص في ذلك غير واحد من السلف رحمهم الله. وحكم اليسير من الغناء بخلاف حكم الكثير منه).

وقال ابن رجب في فتح الباري (6/ 82): (وأما الغناء المهيج للطباع، المثير للهوى؛ فلا يباح لرجل ولا لامرأة فعله ولا استماعه؛ فإنه داع إلى الفسق والفتنة في الدين والفجور؛ فيحرم كما يحرم النظر بشهوة إلى الصور الجميلة ... ولا خلاف بين العلماء المعتبرين في كراهة الغناء وذمه وذم استماعه، ولم يرخص فيه أحد يعتد به).

هذه طريقة الراسخين من أهل العلم في فهم النصوص وكلام السلف وتوجيهه، وبهذا يظهر أن حكاية الخلاف في هذه المسألة ليس كما قد يُظن، وبالتوجيه السابق ترجع جل الأقوال إلى وفاق؛ ويجتمع شمل ما ورد في هذا الباب كما أشار إلى هذا أبو العباس القرطبي في المفهم (3/ 535).

ثانيا: أما المعازف وآلات الطرب فلها حكم مستقل هو أنها في الجملة محرمة، سواء اقترنت بغناء أو لم تقترن، وهي قضية مجمع عليها بين أهل العلم المعتد بهم، ولا يستثنى من ذلك إلا الدف للنساء في الأعراس والعيد ونحو ذلك، وبعضهم قد ترخص في الدف خاصة فجعل الرخصة فيه عامة، والجمهور على المنع، والحجة معهم دون شك.

قال البغوي في شرح السنة (12/ 383): (واتفقوا على تحريم المزامير والملاهي والمعازف).

وقال ابن قدامة في المغني (12/ 457): (وأما آلة اللهو كالطنبور والمزمار والشَّبَّابة فلا قطع فيه ... ولنا أنه آلة للمعصية بالاجماع).

وقال النووي في روضة الطالبين (8/ 205): (المزمار العراقي وما يُضرب به الأوتار حرام بلا خلاف). وقال ابن رجب في فتح الباري (2/ 83): (وأما استماع آلات الملاهي المطرِبة المتلقاة من وضع الأعاجم؛ فمحرمٌ مجمع على تحريمه، ولا يُعلم عن أحد منهم الرخصة في شيء من ذلك، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يُعتد به فقد كذب وافترى). وقال في كتابه نزهة الأسماع (60): (وقد حكى زكريا بن يحيى الساجي في كتابه اختلاف العلماء اتفاق العلماء على النهي عن الغناء إلا إبراهيم بن سعد المدني وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، وهذا في الغناء دون سماع آلات الملاهي؛ فإنه لا يُعرف عن أحد ممن سلف الرخصة فيها، إنما يُعرف ذلك عن بعض المتأخرين من الظاهرية والصوفية ممن لا يعتد به).

وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع (306 – ملحق بكتابه الزواجر ج2) عن آلات اللهو والمعازف: (هذه كلها محرمة بلا خلاف، ومن حكى فيها خلافا فقد غلط أو غلب عليه هواه حتى أصمه وأعماه ومنعه هداه وزلّ به عن سنن هداه، وممن حكى الإجماع على تحريم ذلك كله الإمام أبو العباس القرطبي وهو الثقة العدل ... وممن نقل الإجماع على ذلك أيضا إمام أصحابنا المتأخرين: أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي).

هذا نزر يسير من النقول التي حكت الإجماع على تحريم المعازف، ولولا خشية الإطالة لسقت عشرات النقول الأخرى.

والحجة في هذا الباب التي انبنى الإجماع عليها: نصوص صحيحة صريحة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام -كما عند البخاري في صحيحه-: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، ودلالته على التحريم أظهر من أن يطال في تقريرها، وهو حديث ثابت دون شك، صححه جم غفير من الأئمة والحفاظ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير