تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعضُ الغناء جميلٌ .. ولكنَّ غداً أجملُ ... أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

ـ[أبو حاتم المهاجر]ــــــــ[28 - 06 - 10, 01:22 ص]ـ

بعضُ الغناء جميلٌ .. ولكنَّ غداً أجملُ

أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

قال أبو عبدالرحمن: لا أجملَ ولا أرقَّ من ثوب الحرير: برودةً على الجسم، ونعومةً، وجمالاً .. ولكن الله عوَّضنا بالطيبات من الرزق، وحرَّم علينا لبس الحرير اتباعاً لمرضاته، وتقديماً لرضاه - سبحانه - على أهوائنا .. وهناك تعويض أُخروي أبديٌّ للمؤمنين؛ إذ يكون لباسهم حريراً .. واللحية - وإكرامها في تهذيبها - وقار وجمال، ولكن الأمرد أجمل، وهو لا ينوء بعبء اللحية ترجيلاً وتطييباً وتهذيباً، وجزاء من قضى الله دخوله الجنة بَدْءاً أو بعد تطهير أن يدخل الجنة وهو أمرد .. ولا أجمل ولا أمتع من الذهب والفضة: أساورَ كثيرة في اليدين، وخواتمَ مرصوصة في الأصابع، ودناديش تتدلَّى من الرقبة حتى ليكاد يغطس بها السباح الماهر .. ومثل ذلك في المتعة آنية الذهب والفضة، ولكنَّ الله حرم علينا ذلك، وعَوَّضنا عاجلاً بالطيبات من الرزق، وحرَّم علينا ذلك حِلْيَةً وآنيةً، وأباح الحلية للنساء، وحرَّم عليهنَّ إلجاء المال باسم الحلية فراراً من الزكاة، وأما ما كان حلية على الحقيقية فلا زكاة فيه على أصح الأقوال .. وحرَّم علينا كنز الذهب والفضة بلا زكاة، وحث على توظيف المال في المنافع كي لا تقرضه الزكاة، ولكي يُحقِّقوا عمارة الأرض .. وفي لبس الذهب والفضة واستعمال آنيتهما كسر لخواطر الفقراء .. ثم العوض الأخروي الأبدي لمَن دخل الجنة بدءاً أو بعد تطهيرٍ الجمالُ والمتعةُ بالذهب والفضة والأحجار الكريمة لباساً وآنية .. والخمر والميسر ليسا خالصين للمنفعة والمتعة، والخمرة بالذات زادت الآن داء يتلف الكبد، وهو السبيرتو، وكان القدماء لا يعرفون ذلك الداء، وكانوا يُعتِّقونها، وكانت كعين الديك تتطاير شعاعاً في الكأس، ولكنْ فيها إنزاف وضياع عقل ثم فساد سلوك، وفيهما متعة .. قال الله سبحانه وتعالى:

) يََسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [سورة البقرة/219]؛ فأما الخمر فعوَّضنا الله في الدنيا بشراب الصالحين من الطيبات من الرزق، وفي الآخرة كما مر عن التعويضات الأخروية الأبدية هناك خمرة مفرحة ليس فيها صداع ولا نزيف ولا سلوك مَهين .. والغناء الذي حرَّمه الله - سبحانه وتعالى - بوضعيَّته المحدَّدة شرعاً فيه جمال ومتعة وفرح ونشاط، ولكننا نترك استماعه مرضاة لله وإن كنا نحبه، والعوض الدنيوي يكون بتكوين عبادةٍ قد تكون صعبة أول الأمر، وهي الاستمتاع بكلام الله متغنِّياً به على عادة العرب في التجويد والنظم محاولاً تحسين الصوت لتجارب كثيرة، واستماعه من مقرئ جيد حلو الصوت أعظم حبوراً؛ فهذا ليس تعويضاً وحسب، ولكنه يملأ القلب فرحاً وأشواقاً ليست كالأتراح والضيق التي تعقب سويعات الاستمتاع بالغناء، وهذه تجربة صادقة مارستها في حياتي .. هذا بالإضافة إلى الاستمتاع بالمباح من شدو الأطيار، وحفيف الأشجار، وخرير المياه، مع الترنم بالأشعار .. على أن من التذَّ باستماع الذكر الحكيم بالتغني لا بالغناء لن يحتاج إلى متعة سماعيَّة أخرى .. وهكذا كل ما حرمه الله علينا من هذا النوع الذي فيه جمال ومتعة؛ ففيه تعويض دنيوي وأخروي مع قدرة المسلم على إتقان التوازن بين نوازعه من منطلق قلبه المفعم بالإيمان، وعقله المميز للأحق والأجمل وما هو أكثر خيراً، والعوض الأخروي عن المحرم من الغناء استمتاعهم بالأصوات الجميلة من المعازف والقيان، ولست أدري ما العوض عن الميسر، ولكن الذي أعلمه أن أهل الجنة في نعيم لا يطلبون عليه مزيداً إلا رؤيتهم لربهم سبحانه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير