تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنَّ ما جاء به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كافٍ لِمَن أراد جنَّة الله، فمَن أطاعه دخَل الجنَّة ولا بُدَّ، ومَن اتَّبَع سبيله فهو معه بضرورة صدق القرآن في قوله - تعالى -: ? وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ? [النور: 54]، وإنَّ فيما قاله ممَّا صحَّ عنه من السُّنَن والأوراد، والأدعية والأذكار، وِرْدًا لكلِّ ظمآن، وطريقًا لكلِّ حيران، وبابًا لكلِّ مُنقَطِع، ومَطمَعًا لكلِّ مُرِيد، ولو اجتَهَد المجتهد، وسعى الساعي، ونظَم الناظم، وأراد خيرًا ممَّا قال محمد بن عبدالله الذي أُوتِي جوامع الكلم، وجمع الخير كله - فلن يجد إلى ذلك سبيلاً.

فإلى كلِّ مَن استَبدَل الحوقلة بالهوهوة، أصحاب الأوراد المُبتَكَرة، والطُّرُق المُستَحدَثة، وإلى كلِّ ناقز وراقص وشاطح، خُذْ ما آتاك الله وكن من الشاكرين، فوالله لو شطحتَ اليومَ كلَّه، ودرت كالرَّحَى حتى وقعتَ على أمِّ رأسك، لن يقبل الله منك شيئًا لم يفعله المَثَلُ الأعلى، والقدوة الأولى، فأَرِحْ نفسك من البدعة؛ فلا خيرَ فيها، واجعل مُبتَغاك سنَّة ثابتة تُحيِيها، وأثرًا صحيحًا تعضُّ عليه، وتعلَّم عبادته فإنها خير العبادة وأوسطها؛ فإن خير الهدي هدي محمد - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، كما كان يقول عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم.

فهديُه خيرُ الهدي، لا غلوَّ ولا تقصير، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، يقوم وينام، يصوم ويُفطِر، يحب الطِّيب والنساء، يُضاحِك أصحابه ويُمازِحهم، يُمسِك أحدَهم من خلفه ويقول: ((مَن يشتري العبد؟) ويقول للعجوز: ((لن يدخل الجنة عجوز))، يقصد أنها لن تدخل عجوزًا؛ بل شابَّة، تأتي الجارية فتُمسِك بيده وتجرُّه فينطَلِق خلفها حتى يقضي حاجتها، يخدم أهله ويُعِينهم، تهجره إحداهنَّ إلى الليل وهو سيِّد البشر، يَخصِف نعلَه ويرقع ثوبه وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، لا تَراه إلا مُبتَسِمًا، وهو أعبَدُ العابِدين وأزهَدُ الزاهدين، بأبي هو وأمي من قدوةٍ لا أبتَغِي سواه، وإمام لا أتَّبِع غيره.

إنَّ الطريقة المحمديَّة زاوية رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي أُسِّست على التقوى من أوَّل يوم، ووُضِعت تعاليمها من لدن حكيم خبير، هي الزاوية الوحيدة، والطريقة التي لا يَقبَل الله طريقةً غيرها، ولا يرتَضِي أسلوبًا في العبادة إلا أسلوبها، فراقِب جيدًا قولَه - عليه السلام -: ((ما أنا عليه اليومَ وأصحابي))، وابحث عنه وعن تفاصيله، وكلَّما جاءَك أحدٌ يدْعوك إلى وردٍ، فقل: هل هو وردُ محمد بن عبدالله؟ فإن قال لك: نعم، فقل له: أين ثبَت ذلك عنه في الكتب الصحيحة الثابتة، التي قيَّض الله رجالها كي يحموا حوزة الدين من كلِّ مشتهٍ مُستَحسِن؟ وكلَّما جاءَك شيخٌ يُرِيدك مريدًا، فقل له: أنا مشغول، والمشغول لا يُشغَل، أنا مريد محمد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قد سلَّمتُ له القياد، وبعْتُ له النفس والروح، فهو شيخ طريقتي، ووردي وموردي، وشفيعي عند خالقي، فليس لي إلا قلب واحد، أسكنتُه حبَّه، فليس يقبل حبَّ أحدٍ سواه، فإن قال لك: أنا أدلُّك عليه، فقل له: بسنة صحيحة، وأثر ثابت، وفريضة محكمة، وعبادة كان عليها هو وأصحابه الأكرمون، عندئذٍ تكون بالله غنيًّا، وبشرعِه مكتفيًا، وبما آتاك من الدين محصنًا، ويكون بينك وبين البدعة حجاب السُّنة، وبينك وبين الضلالة حصن الهدي، هدي محمد - عليه أفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم - وإلا تجاذبَتْك الأهواء، ولعبت بك البِدَع، وتَسابَق إليك المُعمَّمون يُرِيدونك نعجةً في زريبتهم، ومريدًا في طريقتهم، ثم يحتَجِبون عنك بالحُجَّاب، ويُغلِقون عليك الأبواب، ويُكثِرون عليك من الكلام المبهم، والعبارات الموهمة، وعندك كتابُ الله الواضح البيِّن، تقرؤه عذبًا طريًّا كما أُنزِل، كلمات الله فيه واضحة وضوحَ شمس الضحى، ورسائل الهدى تُحمَل إليك محصنة بـ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9].

يا مريد محمد، إنَّ طريقك إلى محمد يمرُّ عبر الصحيحين وكتب الحديث، فهناك تجد كلَّ ما كان يفعله في يومه وليلته، وكلَّ ما كان يتقرَّب به إلى ربه، ولقد عاش الناسُ في العقود الماضية بَعيدِين عن المعارف والعلوم، ولم تكن الكتب متيسرة، ولا السنن معروفة، ولا انتَشَر العلم والخير كما انتَشَر في زماننا، فلجَؤُوا إلى شيوخ الطرائق، وتمسَّكوا بهم؛ إذ لم يكن لهم من سبيلٍ سواهم، حبًّا في رسول الله والإسلام، أمَّا اليوم بعد أن عرَفنا الطريق، وعَلِمنا كيف عاش محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلسنا نَبغِي سواه، ولسنا نتَّبِع غيرَه مهما بلَغ من الفضل والصلاح، فقل: ? الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ? [الأعراف: 43]، وثبتَت السنن والأحكام، وعرَفنا ما كان عليه هو وأصحابه، ولم يبقَ للناس على الله حجَّة بعد الرُّسُل، والحمد لله ربِّ العالمين، وقل لكلِّ صاحب طريقة وإمام زاوية: ? قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ? [الأعراف: 89]، صدَق الله، ومَن أصدق من الله حديثًا.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير