تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[موقع الإسلام سؤال وجاب يقدم النصح لمن اشتغل بتفضيل عالم على آخر في المنزلة والعلم]

ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[30 - 06 - 10, 10:39 م]ـ

النصح لمن اشتغل بتفضيل عالم على آخر في المنزلة والعلم

رأينا مؤخراً أناساً يدخلون في مناظرات حيث يرفع بعض الناس أناساً آخرين فوق الأئمة الأربعة، فهناك على سبيل المثال من يرفع ابن تيمية فوق الإمام الشافعي ومالك وأحمد، وهناك الآن من يقول بأن هناك أئمة الآن أفضل من ابن تيمية، كيف يمكن لهذا أن يكون صحيحاً؟ أرجو أن تجيبوا بشيء من التفصيل.

الجواب:

الحمد لله

1. لا شك في وجود تفاوت بين الناس، والعلماء من الناس الذين تتفاوت درجتهم ومنزلتهم، كما يتفاوت علمهم، وإذا علمنا أن الأنبياء عليهم السلام يتفاوتون لم يكن مستغرباً وجود تفاوت بين العلماء، قال تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) البقرة/ 253.

2. أما التفاوت في الفضل والمنزلة عند الله تعالى: فلا يحل لأحدٍ أن يتجرأ على القول به؛ لأن ذلك من الغيب الذي لم يُطلعه الله تعالى على ذلك المفضِّل، فليوكل أمر ذلك إلى العالم بخلقه عز وجل فهو المطلع على إخلاص الخلق وصدقهم، وهو العالم بالأقرب منهم إليه سبحانه وتعالى.

3. وأما التفاوت بين العلماء في العلم: فإن الحكم عليه ليس للعوام، ولا للجهلة، ولا للمقلدين، ولا للمتعصبين، وإن حكم هؤلاء لا قيمة له ولا وزن ولا اعتبار، وإنما الحكم لأهل العلم الذين صدقوا مع أنفسهم في حكمهم، وكانوا من أهل الاختصاص في ذلك العلم؛ فالعالم بالحديث هو الذي يعلم مقادير المشتغلين بذلك العلم، والعالم بالفقه هو الذي يميز أهل الفقه، ويعرف درجات المفتين.

ثم لم نر من أهل العلم اشتغالا بذلك التصنيف والتقييم لأقدار العلماء، إلا حيث وجدت مصلحة، أو مناسبة اقتضت ذلك، ولم يكن ذلك منهم على سبيل التنقص من الآخرين.

قال تاج الدين السبكي – رحمه الله -:

الدخول بين أئمة الدين والتفضيل بينهم لمن لم يبلغ رتبتهم: لا يحسن، ويخشى من غائلته في الدنيا والآخرة، وقلَّ من استعمله فأفلح ... وربما كان سبباً إلى الوقيعة في العلماء الموجبة لخراب الديار.

" الأشباه والنظائر " (2/ 328).

4. وقد كان العقلاء من العلماء يعرفون للعلماء – وخاصة من السلف المتقدمين – فضلهم وعلمهم، فلم يكونوا يدخلون العوام في متاهات التفضيل، وكانوا يحطون من قدر أنفسهم ويعلون من قدر من سبقهم من أهل العلم.

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وأهل العلم النافع على ضد هذا، يسيؤون الظن بأنفسهم، ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء، ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم، وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها، وما أحسن قول أبي حنيفة وقد سئل عن علقمة والأسود أيهما أفضل؟ فقال: واللَه ما نحن بأهلٍ أن نذكرهم؛ فكيف نفضل بينهم؟!

وكان ابن المبارك إذا ذكَر أخلاق من سلف ينشد:

لا تَعرضنَّ لذكرنا في ذِكرِهِم ... لَيسَ الصَحيحُ إِذا مَشى كَالمُقعَدِ

" فضل علم السلف على الخلف " ابن رجب (ص 55).

5. وبعض الجهلة المعاصرين ظنَّ أن من أكثر من تسويد الصفحات وأكثر من التصنيف، فقد فاق من قبله في العلم! وأنه قد سبقهم في المعرفة والاطلاع، ولا ريب أن ذلك من الخطأ في الظن، والبطلان في الحكم والقول.

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:

وقد ابتُلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض مَن توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله! ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين! وهذا يلزم منه ما قبله؛ لأن هؤلاء الفقهاء المشهورين المتبوعين أكثر قولاً ممن كان قبلهم، فإذا كان من بعدهم أعلم منهم لاتساع قوله: كان أعلم ممن كان أقل منهم قولاً بطريق الأولى، كالثوري، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، وطبقتهم، وممن قبلهم من التابعين والصحابة أيضاً،

فإن هؤلاء كلهم أقل كلاماً ممن جاء بعدهم، وهذا تنقص عظيم بالسلف الصالح، وإساءة ظن بهم، ونسبة لهم إلى الجهل وقصور العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير