أولاً: فهو يعيب على البخارى أنه لم يكن معاصراً للنبى صلىالله عليه وسلم، ولم يسمع أحاديث بصفة خاصة وهنا دعنى أنقل نفس عبارته السابقة وأعيد صياغتها بعد أن أسقطها عليه:
(إن صبحى منصور فعلا عاش فى القرن الخامس عشر الهجرى. أى بينه وبين النبى عليه السلام أربعة عشر قرن من الزمان. واذا اعتبرنا الجيل أربعين عاما فإن بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم خمسة وثلاثين جيلا. (لاحظ أن بيننا وبين عصر محمد على أربعة أجيال فقط).فكيف يستقيم له أن ينفى ما لم تره عيناه ويشكك فى صحة ما هو منسوب للنبى عبر الروايات الشفهية والمكتوبة حتى يأتى يعد ألف وأربعمائة سنة ويقول أن الإسناد شئ مخترع ولم يكن له وجود؟)
ثانياً هذه شبهة مردودة تاريخياً والحديث فيها يطول:
وبداية يجب أن نفرق بين مفهومين:
الأول:هو كتابة السنة.
والثانى: هو جمع السنة.
فعندما نقول أن بداية جمع السنة كان فى عصر فلان أو بأمر من فلان أو عام كذا. فلا يعنى هذا أنها لم تكن مكتوبة عند بعض الصحابة أو رواة الحديث. بل إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدئ فى كتابته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حياته.
كما يجب أن نؤكد على أن العبرة فى هذه المسألة هى بالحفظ سواء أكان هذا الحفظ حفظ فى الصدر أم حفظ فى كتاب.
ونسوق فى هذا ما قاله الخليل ابن أحمد الفراهيدى:
ليس العلم ما حواه القمطر ................. ما العلم إلا ما حواه الصدر
وسأحاول أن أبين لأخوانى مراحل جمع السنة النبوية المطهرة. حسبما يسر الله لى.
المرحلة الأولى لكتابة السنة:
مرحلة الكتابة الخاصة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
(انتهت عند وفاة النبى صلى الله عليه وسلم عام 11 هجرية).
وفى هذه المرحلة كان الصحابة رضوان الله عليهم يتلقون الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم مباشرة، وكانوا يتداولونه حفظاً له ورواية. وكان بعضهم يكتب. ولكن كان المعول الحقيقى على عملية الحفظ فى الصدر. و
قد بلغ اعتناء الصحابة بحب السنة والتعرف على كل ما يقوله أو يفعله النبى صلى الله عليه وسلم، أن عدداً كبيراً منهم كان يلازمه ملازمة مباشرة. كأبى بكر وعمر وعبد الله بن مسعود والذى عرف بصاحب نعل رسول الله. بل كان النبى صلى الله عليه وسلم يكثرون من قوله: (ذهبت أنا و أبو بكر وعمر) ... (رجعت أنا وأبو بكر وعمر).وهذا من طول ملازمتهما إياه.
وكان من شدة حبهم وتعلقهم بالنبى أن لازموه ملازمة شبه كاملة. فأخبرهم أن لأولادهم عليهم حق.
فأمرهم أن يعملوا يوماً ويلازمونه يوم. وللموازنة بين الأمرين: حب ملازمة النبى صلى الله عليه وسلم، والإنفاق على العيال. فقد كانوا يتناوبون مصاحبته. فقد أخرج البخارى فى صحيحه (89) ومواضع أخرى: عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك.
وجدير بالذكر فى هذا المقام بيان أن أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – ومن جاء بعدهم كانوا يعتمدون على قوة ذاكرتهم فى الحفظ. وكان هذا معلوم لدى العرب حتى من قبل ظهور الإسلام. فقد كانت أمة العرب، أمة ذات قريحة متوقدة نشطة يحفظون القصائد الشعرية التى تتكون من عشرات بل مئات الأبيات من أول مرة يسمعونها فيها.
وعندما جاء الإسلام، انصب اهتمام الصحابة على كتابة الوحى القرآنى بمجرد نزوله، كما اتخذ النبى صلى عليه وسلم عدداً كبيراً لكتابة الوحى عرفوا باسم (كُتّاب الوحى) وبلغ عدد هؤلاء أربعين كاتباً. كما لم يغفل أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أهمية السنة، فانكب عدد كبير على كتابة ما يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهر هؤلاء جميعاً سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه وعن أبيه.
صحف كُتبت فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم
ولم تعدم هذه الفترة من وجود الصحف التى كتب فيها الصحابة رضوان الله عليهم أحاديث مباشرة عن رسول الله وبدون واسطة. من تلك الصحف:
1 - الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص.
2 - الصحيفة الصحيحة برواية همام بن منبه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 - صحيفة سمرة بن جندب.
¥