وفي الحقيقة ـ أيها القارئ المنْصِفُ ـ إنّ المتصفحَ للتاريخ ورجاله وعلمائه, يرى أن القِلّة القليلةَ هي التي خالفت في بعض الآراء, ولكنْ, كما قلنا هذا يكون في النادر القليل .....
ولكنّ الذي يُمعِنُ النظر في العصر الحديث, وينظر بعين قلبه الحيِّ النابض بالحقيقة, فإنه سوف يرى ولادة أناس يدَّعون العلم والمعرفة, والحجّة والإقناع, وهم في الميزان العلمي بعيدون كل البعد عن أبسط قواعد العلم الصحيح, والمنهج المعتمد, والرأي السديد , وُلد في العصر الحديث أناسٌ ساعدتهم أموالُهُم, وتعصُّبُهُم وجهلُهُم على طرح العديد من الآراء الشاذّة في القنوات والكتب والصحف وعقول البُسَطاء ....... تراهم يُكَفِّرون الناس لمجرد ارتكاب ذنبٍ صغير, وكأنهم أَغلقوا باب التوبة الذي فتحه الله لنا على مصراعيه, وكأنهم خلائفُ ـ في شذوذ أفكارهم وضلالهم ـ للخوارجِ والمعتزلة, ومَن سار على نهجهم, واتّبع سَنَنَهُم ... تراهم يظنون أن علماء الأمة الإسلامية كلَّهم على ضلال, وهذه الفئة الصغيرة الْمُحْدَثَةُ التي ليس لها جذر ضارب في التاريخ هم العلماء , وعنهم حصراً يُؤخذ العلم الحق , والتوحيد الحق, والعبادة الحق, وعن سواهم يُؤخذُ الكفر والفسوق ,والبهتان والعصيان ....
أصحاب الآراء الشاذة , يتوارثونها جيلاً بعد جيلٍ, بتقليدٍ أعمى مَقيتٍ , وكأنّ أحدهم إِمَّعَةً .... حصروا العلم كلَّه في خمسة إلى ستة علماء وأئمة, وما عدا هذا النفرَ من العلماء فهم علماءُ سَوْءٍ, و غارقون في الجهل , يكفرون ولا يشعرون! , فيا عجبا من هذا البهتان العظيم, والافتراء والزَّيف الْمُبين!!
.... أسمع إلى رأي أحدهم فأغوص في يَمِّ الدهر باحثاً عمَّن أَخذَ هذا العالِمُ المحدَث قوله البديع! , أو ما دليله على رأيه الشاذ الذي يتفوّه به؟ , والدليل مطلوبٌ ـ كما يعلم القارئُ الكريم ـ على حسب القاعدة العلمية المشهورة (إن كنتَ ناقلاً فالصحة أو مُدّعياً فالدليلُ).
فأراه لم يأخذ بدليل, بل قد أبدع رأيه هذا من بنات أفكاره المنحرفاتِ, أو اتّكأ على آراء بعض الشاذين الفكريين أمثاله, فوافق شَنٌّ طبَقَة!
أصحاب الآراء الشاذّة, وبتأمّل سريع هُمْ أحد هؤلاء حسب ما أرى ـ وقد أصيب وأخطئ ـ ورحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي:
· قلة نادرة لايعبأ بها أحد, وَوُجِد الآن لها أنصارٌ من المستشرقين والمستغربين
· إنسانٌ حَرَّف القاعدة المشهورة التي تقول (رأيي صحيح ويحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) , وجعل القاعدة السابقة كالتالي: (رأيي صحيح ولا يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ, ولا يحتمل الصحة)!!
· مقلِّد أعمى , لا يقبل الحوار ولا النقاش مع أحد, لأنه يُفضّل أن يبقى على شذوذه الفكري, وعقله التكفيري.
· وآخرُ, شذوذُ آرائه لمصلحة شخصية آنيّة تتحقق له من خلال رأيه, فإذا ما رأى مصلحة جديدةً أكثرَ عطاءً ونوالاً فإنه سيأتي بفكر شاذّ آخرَ يخالف فكره الأول.
· ذَنَب للغرب, إلا أن الغربَ قطعوه في بلادنا لكي لا يذهب معهم إلى الغرب , فأصبح لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!.
· قارئ بغير أُستاذ , دائماً يلوم شوقي على قوله: قُم للمعلم وَفِّهِ التبجيلا ... يأخذ العلم كحاطب ليلٍ من هنا وهناك , وقد يحمل في ليليه بين الحطب أفعى ستلدغُه وهو يحملها, أوستلدغ غيرَه عن قريب .....
· متكبّر لا يتواضع لطلب العلم, أو جامعُ كتُب ينطبق عليه قول القائل:
إذَا لَمْ يُذَاكِرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ عِلْمًا نَسِي مَا تَعَلَّمَا
فَكَمْ جَامِعٍ لِلْكُتُبِ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ يَزِيدُ مَعَ الْأَيَّامِ فِي جَمْعِهِ عَمَى
· والآخر نقول له: قالت الأمة كلها بجواز هذا الرأي, فيقول متعجباً, ولكن عندي أن هذا الرأيَ غيرُ جائز, فذكرني بقول الشاعر:
يقولون: هذا جائزٌ عند غيرنا ومن أنتمُ حتى يقالَ لكم عِنْدُ؟!
· الشاذ الفكري يُعجبه جمع الأفكار الشاذة للتباهي بها , ويظن بذلك أنه أعلم من غيره, لكنه عرف شيئاً وغابت عنه أشياء!
· الشاذ الفكري يتبع زُحَلَ, ويترك الشمس, فيقول له الناصح:
خذْ ما علمتَ, ودع شيئاً سمعتَ به في طلعة الشمس ما يُغنيك عن زحل
¥