تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول الشاذ في الفقه الإسلامي ودعوى اكتشاف الإسلام من جديد

07 - 7 - 2010

د. هيثم بن جواد الحداد / لندن

لم تكشف "زوبعة الفتاوى الفقهية الأخيرة" وما تلاها من انتصار البعض لها عن أزمة في التعاطي مع المسائل الفقهية بقدر ما كشفت عن خلل في رؤية البعض للعلاقة بين الشريعة والحياة، وأن عددًا من الإسلاميين لديهم "القابلية لللبرلة"، تشبه إلى حد ما قابلية رجال الدين النصارى للعلمنة في ما يعرف بعصر التنوير ..

لم تكشف "زوبعة الفتاوى الفقهية الأخيرة" وما تلاها من انتصار البعض لها عن أزمة في التعاطي مع المسائل الفقهية بقدر ما كشفت عن خلل في رؤية البعض للعلاقة بين الشريعة والحياة، وأن عددًا من الإسلاميين لديهم "القابلية لللبرلة"، تشبه إلى حد ما قابلية رجال الدين النصارى للعلمنة في ما يعرف بعصر التنوير.

صحيح أنّ المسائل مدار البحث لا يعدوا أكثرها إلا أن يكون مسائل فقهية فرعية، لا تتحمل مثل هذا الضجيج، لكن الانحراف في منهج الاستدلال الذي يتسلل أصحابها من خلاله يعتبر أشد خطورة من ذات المسائل نفسها، وأشد خطرا منه الرؤية التي تحكم البعض، والتي تجعل من "قابلية بعض الإسلاميين لللبرلة" أو "قابليتهم للعلمنة المهذبة"، في ظل غياب مرجعية شرعية، واختطاف قوى ذات وجه عصراني إلى حد ما للمشهد السياسي الإسلامي، أمرًا يبعث على القلق.

تعالج هذه المقالة واحدة من تلك المخاوف؛ الانحراف في منهج الاستدلال، فلا يعنينا كثيرًا الموقف من القضية الفقيهة عين البحث، بقدر ما يعنينا المنهج الأصولي المتبع للخروج بالرأي الراجح المتبنى من قبل عدد من المنتسبين إلى العلم، فانحراف هذا المنهج سيولد أراءً منحرفة لا يخترمها ضابط ولا ينتظمها كتاب، وعليه فإن علاج الخلل في المنهج ذاته يتخذ أهمية أكبر من علاج المسألة الفقهية نفسها.

وقد ذكرت في مقال سابق أن هذا المنهج أصبح يتكئ على قضيتين رئيسيتين:

ـ العبث بمقاصد الشريعة، ومن ثم التستر بها.

ـ العبث بالتراث الفقهي، والتستر بالعمل بالدليل وترك التقليد، بحجة أن ثمة من قال بهذا القول أو عمل به.

هاتان القضيتان أفرزتا "زبدًا" كثيرًا وأخرجتا لنا قضية تتخذ لونًا جديدًا كلما بهت لونها السابق؛ إعادة قراءة النص، لكننا نحن اليوم بصدد ترهة أخرى؛ إنها عملية إعادة اكتشاف الإسلام.

وقد نتج عن ذلك تصدع في الصف الإسلامي في وقت المسلمون في أشد ما يكونون لتوحيد صفوفهم والتمسك بسبل النجاة.

وكثير من هذا الزبد، خبيث مردود، ومنه ظاهرة تبني الأقوال الشاذة، وعمل بعض المنتسبين إلى العلم وأصحاب الدعوى إلى الوسطية والانفتاح والإصلاح إلى حيز الخلاف المعتبر الذي لا يشنع على من قال به، بل على احترامه، فتخندق بذلك مع الأسف الشديد مع جمع من أعداء الإسلام،

ولا أظن أن هذه الظاهرة يمكن أن تعالج إلا بعمل متواز يجتمع فيه التركيز على منزلة الآخرة من الدنيا في نفوس العامة، بل وفي نفوس بعض المنتسبين إلى العلم، من ناحية، ثم بتأصيل شرعي لحقيقة القول الشاذ من ناحية أخرى ـ وهو موضوع مقالتنا هذه ـ، فإن متبني مثل هذه الأقوال يرى أن قوله قوي يؤيده الدليل، ومن ثم فإنّ مجرد اتهام صاحبه بأنه ليس من أهل الفتيا، أو ليس من أهل العلم، إن لم يسهم في التأصيل العكسي للقول الشاذ، وربما تعاطف البعض معه، فإنه لن يسهم في حل القضية من جذورها، لأن صاحب القول الشاذ ينظر إلى نفسه أنه من أهل الفتيا، وينظر إليه كذلك كثيرون، ثم ما ذا لو كان فعلا من أهل الفتيا، أو ممن أشتهر اسمه كأحد أهل العلم، أو رموز الدعوة، فلن يكون وصمه بذلك مقبولا عند تلك الجماهير التي أقبلت عليه واعتادت على الأخذ منه.

وأما القول بأنه خالف كبار أهل العلم في بلده، فإنه في المقابل وافق بعضًا من كبار أهل العلم في بلد آخر، فهل يقال أن لكل بلد قولاً شاذًا، أم يقال بأن الشذوذ في القول أمر نسبي خاضع للحدود الاجتماعية والسياسية؟ وعليه فيبدوا لي أنه لا مناص من أمرين:

الأول: التقعيد الأصولي للقول الشاذ، والثاني أن يكون ذلك التقعيد مما يمكن أن يتفق عليه جمهور الأمة، أو في أقل الأحوال أن يسلم من النقض الموجه إليه من الطرف المقابل.

* حقيقة الإجماع وروحه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير