أما الشق الثاني، فإن العمل بالقول الشاذ يقتضي ترجيحه على قول أطبقت عليه الأمة جيلاً بعد جيل، خلا أفراد قلائل منهم، وهذا يتضمن أو يستلزم القول بخطأ الأمة، أو القول بتتابع علمائها جيلاً بعد جيل على الضلال، وترجيح الخطأ دون الصواب، وهذا محال عقلا وشرعًا، بل ويلزم منه أن الحق قد خلت الأرض منه مددًا من الزمن، وأن شيئا من دين الله لم يعمل به قرونًا من الزمن في أرض الله بعد بعثة رسول الله، وهذا مخالف لبدهيات دين الله الذي تكفل بحفظه!
ولا يقولن قائل إن الحقّ مع الدليل ولو قل من أخذ به، فإننا لا نتحدث عن قلة فيما يقابل الكثرة، ولكننا نتحدث عن شواذ مقابل جماهير عددها غالب ليس في طبقة واحدة ولا جيل واحد، ولكننا نتحدث عن جماهير العلماء جيلاً بعد جيل، ويبعد أن تتابع هذه الجماهير بأعدادها الغالبة على عدم الأخذ بالدليل الذي استند إليه الشاذ من الأقوال، بل إن الأقرب أن يقال بأن الجماهير الغفيرة من العلماء جيلاً بعد جيل تركت الأخذ بهذا الدليل إما لضعف فيه لم يتبين للمخالف، أو لعدم دلالة معناه على المقصود، أو لوجود معارض له قد خفي على المخالف أيضا.
وعلى هذا، فإن الثورة المعلوماتية، وإن أسهمت في إظهار المخبأ فلن تسهم في تغيير ديننا، ولن نصبح كأهل البدع والأهواء، كلما ظهر لهم من هو ألحن مِن سابقه تبعوه، فلم يبق لهم دين، ولن تساهم الاسطوانات المدمجة في اكتشاف معالم ديننا، أو في صناعة دين جديد لنا، والله حافظ دينه كله من قبل هذه التقنية، وسيحفظه بعدها، ودخول الجنة والنجاة من نار جهنم ليستا معلقة بأقوال في ديننا لم تكشفها إلا التقنية الحديثة.
وأما الشق الثالث: فهو ما تقدمت الإشارة إليه أن العمل بالقول الشاذ، مقارن للعمل برخص العلماء مجتمعة، وهو سبب للمروق من الدين، وطريق سهل إلى الجحيم، والله سيحاسبنا كما أراد، لا كما أردنا، وحسابه عسير، ونار جهنم يدخلها مع الكفار طوائف لا تحصى من المسلمين، لا يخلدون فيها، لكن يوما عند ربك كألف سنة مما يعدون، وصغائر الذنوب ليست حلالا ولا مباحة، وربما اجتمعت على المرء فأهلكته، ولذا حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أسس "فكرية، عقدية، إيمانية، وعظية" أهملها بعضنا بحجة إصلاح حال الأمة، فأخشى أن لا تصلح الأمة في الدنيا، وأهم من ذلك وأكثر خطرًا أن يدخل كثير من أهلها نار جنهم، نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.
بقي لدينا أمور لا يتسع لها هذا المقال، بحثت في الكتاب الأصل، أسأل الله أن ييسر إخراجه عما قريب:
الأول: لم لا نقول بأن القول الشاذ هو ما خالف الدليل؟
الثاني: الفرق بين القول الشاذ والضعيف.
الثالث: هل تبنى شيخ الإسلام ابن تيمية أيا من الأقوال الشاذة؟
ـ[مختار الديرة]ــــــــ[22 - 07 - 10, 06:37 ص]ـ
http://libback.uqu.edu.sa/hipres/ABS/ind9710.pdf
ـ[أبو عبدالجبار]ــــــــ[23 - 07 - 10, 06:38 ص]ـ
المشكلة أن كثيرا من الآراء الشاذة يقول بها إمام معتبر ومن ثم ينتج محابة له بسب شهرته وعلمه
ـ[ابن العنبر]ــــــــ[23 - 07 - 10, 02:05 م]ـ
مختار الديرة
جزيت خيرًا على هذا النقل
ـ[ابن العنبر]ــــــــ[23 - 07 - 10, 02:07 م]ـ
المشكلة أن كثيرا من الآراء الشاذة يقول بها إمام معتبر ومن ثم ينتج محابة له بسب شهرته وعلمه
لا عبرة بالاشخاص وانما العبرة بالدليل
ولذلك لما عرف القرافي الشذوذ قال مخالفة الاجماع, والنص الصريح , والقياس الجلي
بل ان ابن حزم بوب فصلًا كلملًا في الشذوذ في كتاب الموسوم " أحكام الاحكام "
ـ[ابن العنبر]ــــــــ[23 - 07 - 10, 02:13 م]ـ
http://libback.uqu.edu.sa/hipres/ABS/ind9710.pdf
فضيلة الشيخ / جزيت خيرا على هذه المشاركة, فمنذ فترة وأنا أبحث عنه
غفر الله لنا ولك
وهذا الشذوذ في أصول الفقه, ولا شك أنه من الاهمية بمكان , إلا أن السؤال الذي أود طرحه لك - لخصوص مشاركته- ولعامة من يقرأ في هذا الملتقى؛ هل هناك فرق بين الشذوذ في الاصول, والشذوذ في الفروع؟
وأن كان من فرق فهل مثلت لنا ولو بمثال غفر الله لك لتعم الفائدة
وهل الاجماع في الاصول كالفروع
لان أحيانا بالشيخ تتداخل الاحكام والمسائل الا تشاركني الأي في ذلك , أحسن الله إليك المثوبة ,,,
أعتذر ياشيخ على الاطالة
ـ[ابن العنبر]ــــــــ[27 - 07 - 10, 06:13 ص]ـ
هناك شذوذ معتبر وغير معتبر,, بمعنى أنه شاذ وغير شاذ
فإذا خالف الفتوى الإجماع عُد ذلك من الشذوذ كمن يُجيز نكاح المتعة أو الشغار, وكفتوى ابن عمر في البحر أنه غير طاهر غير مُطهر لمخالفته النص الصريح وإجماع الامة على ذلك.
الأمر الثاني: كون الرأي غريب إلا أنه لا يُعد شذوذ, وذلك لأن له أصل شرعي كما ورد في مخالفة ابن تيمية الإجماع - إن صح - ومخالفة جميع المذاهب واللأقوال الفقهية في فتواه الشهيرة بأن طلاق الثلاث تعتبر واحدة
ولها أمثلة كثيرة
¥