كيف نفهم معنى كون الحرم آمناً لمن دخله مع وجود ما حصل فيه من قتل وإيذاء؟
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[02 - 07 - 10, 03:08 ص]ـ
هناك عدة آيات في القرآن تتحدث عن أمن مكة، كالآية التي تقول بأن مكة هي البلد الأمين، ولا أتذكر ما إذا كان هناك حديث أو آية قرآنية أيضاً تقول بأن من دخل مكة كان آمناً، وقيل أيضا في أحد الأحاديث بأن الدجال لن يتمكن من دخول مكة، وبأن الملائكة تحرس طرق الدخول للمدينة، ولهذا فبوجه عام يمكنني الفهم بأن المقصود بأمن مكة هو الأمن المادي الذي يكفله الله سبحانه وتعالى، لكني مع هذا أشعر بأنه يمكن أن يكون استنتاجا خاطئا، لأنه حدث في الماضي قتال داخل مكة، وقد روي عن قتل مسلمين داخل الكعبة المشرفة. ولهذا فإن السؤال هو: هل " الأمن " المذكور في القرآن والسنَّة يعنى: تحريم القتل داخل المنطقة الحرام وليس وعداً بأمن مادي؟. وأنا - والحمد لله - أبعد ما أكون عن الشك في مصداقية وعود الله - والعياذ بالله - لكني فقط غير متأكد من الفهم الصحيح للمعنى.
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
ما ذكرتَه أخي السائل في مقدمة سؤالك قد جاء النص عليه في الكتاب والسنَّة الصحيحة، وإليكه بترتيبك:
1. قال تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) التين/ 1 – 3.
قال البيضاوي – رحمه الله -:
(وهذا البلد الأمين) أي: الآمن، من أمُن الرجل أمانة فهو أمين، أو المأمون فيه، يأمن فيه من دخله، والمراد به مكة.
" تفسير البيضاوى " (5/ 507).
2. (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ. فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) آل عمران/ 96، 97.
3. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ؛ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ).
رواه البخاري (1782) ومسلم (2943).
النقاب: الطرق.
ثانياً:
الأمن الذي ذكره الله تعالى من خصائص بيته المحرَّم، قد ذكر العلماء رحمهم الله له معاني كثيرة، منها الضعيف، ومنها القوي المقبول.
ومن أضعف الأقوال: قول من قال إن من دخل الحرم أمِن من عذاب الآخرة!.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ومَن ظن أنَّ مَن دخل الحرم كان آمناً من عذاب الآخرة مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها ومع ارتكاب المحارم: فقد خالف إجماع المسلمين، فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين مَن هو مِن أهل النار بإجماع المسلمين.
" مجموع الفتاوى " (18/ 344).
وأشهر معاني " الأمن " المقبولة:
1. أن الأمن في الحرم في الجاهلية، وهو الأمن على النفس للداخل فيه، من القتل والإيذاء من الجبابرة، وممن هو فيه من الناس، كولِيِّ من قتله.
2. وأيضاً: الأمن على البيت الحرام أن يصيبه خسف أو هدم عقوبة من الله تعالى، وهو ما امتنَّ الله تعالى به على أهل الحرم في الجاهلية.
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) العنكبوت/ 67.
قال الإمام الطبري - رحمه الله -:
يعني بقوله (آمِناً): آمناً من الجبابرة وغيرهم، أن يُسلَّطوا عليه، ومِن عقوبة الله أن تناله كما تنال سائر البلدان، من خسف، وائتفاك، وغرق، وغير ذلك من سخط الله ومثلاته - أي: عقوباته - التي تصيب سائر البلاد غيره.
" تفسير الطبري " (2/ 44، 45).
والائتفاك: هو العذاب الشديد.
وقد ذكر ابن العربي المالكي رحمه الله في معنى " الأمن " أقوالاً، القول الثاني منها: أن " من دخله كان آمناً من التشفي والانتقام، كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه من تركها لحقٍّ يكون لها عليه.
" أحكام القرآن " (1/ 69).
وهو القول الذي رجحه، قال:
¥