تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أهمية الأُسرة وعناية الإسلام بها

ـ[حاتم الحاجري]ــــــــ[02 - 07 - 10, 10:03 ص]ـ

ينبثق نظام الأسرة مِن معين الفِطرة وأصل الخلقة وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعاً وللمخلوقات كافة، وقال جل شأنه: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة الذاريات – الآية 49]، وقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [سورة يس – الآية 36].

وإن النظام الإسلامي يجعل الأسرة هي العمود الفقري الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي، وقد أحاطها الإسلام برعاية عظيمة في كل مراحل تكوينها، وقد استغرق تنظيمها وحمايتها وتطهيرها من فوضى الجاهلية جهداً كبيراً، وأحاطها كذلك بكل المقومات اللازمة لإقامة هذه القاعدة الأساسية الكُبرى للمجتمع المسلم.

ونظراً لأهمية هذه القاعدة في تكوين النظام الاجتماعي، ربطها الإسلام بجاذبية الفِطرة بين الجنسين، حيث أودع في كل طرف رغبة مُلِحَّة للطرف الآخر لتحقيق المَوَدَّة والسكينة التي يبحث عنها كل منهما لدى الآخر، وما ذلك إلا لتتجه إلى إقامة الأسرة القوية وتكوين البيت الصالح الذي يتكون من مجموعهما المجتمع الصالح، قال جل شأنه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم – الآية 21]، وقال عز من قائل: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [سورة النحل – الآية 80].

إن الأسرة هي الوضع الفِطري الذي ارتضاه الله تعالى لحياة الناس منذ فجر الخليقة وفَضَّلَه لهم، واتخذ من الأنبياء والرُّسُل مثلاً، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [سورة الرعد – الآية 38].

إن الفطرة التي فطر الله الزوجين عليها، وهذه المَوَدَّة التي يتوق إليها كل طرف ويبحث عنها لدى الطرف الآخر، وتلك السكينة التي تُظلل هذه الخلية الناشِئة، وهذه الرحمة التي تغمر قلبي طرفيها؛ هذه المعاني كلها، تجعل الرجل يندفع للارتباط بأنثاه، مُضَحياً من أجلها بماله، ومُغَيراً طريقة حياته مستبدلاً بروابطه السابقة روابط أخرى، وهي التي تجعل المرأة تقبل الانفصال عن أهلها ذوي الغَيْرة عليها وتترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها لترتبط بالزواج برجل غريب عنها تُقاسمه السَّرَّاء والضَّرَّاء، وتسكن إليه ويسكن إليها، ويكون بينهما من المودة والرحمة أقوى ما يكون بين ذوي القُربى، وما ذلك إلا لثقتها بأن صلتها به ستكون أقوى من أي صلة، وعيشتها معه أهنأ مِن كل عيشة، وهذا ميثاق فِطري مِن أغلظ المواثيق وأشدها إحكاماً.

كتبه: أ. د. أحمد علي طه رَيَّان،

العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر

مِن كتاب: فقه الأسرة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير