وقد رد على هذه المقولة الباطلة د. خالد كبير علال في كتابه (وقفات مع أدعياء العقلانية، حول الدين والعقل، والتراث والعلم) فقال: "إن النصوص لها سلطة حقيقية من جهتين، هما: من جهة قائلها ومن جهة مضمونها، لكن الرجل أغفل سلطة القائل، وحرَّف سلطة المضمون، وذلك عندما حدد سلطة المضمون في السلطة المعرفية فقط. وهذا لا يصح لأن سلطة النص ذاتية يحدد نوعها المضمون الذي يحمله، فقد يكون النص غير معرفي فيكون سلطة أمر ونهي، أو سلطة تحذير و وعظ، أو سلطة تبليغ وإعلان، أو سلطة شرح وبيان، أو سلطة ترغيب وترهيب، أو سلطة إعلان حرب".
وبهذا يتبين ما تنتهجه المدرسة الحداثية العقلانية –التي يتبعها نصر أبو زيد- حول الوحي والقرآن، يقول أ. د. ناصر العقل في كتابه (الاتجاهات العقلانية الحديثة – رسالة ماجيستير: ص158): "فللعقلية الحديثة تجاه الوحي عموماً تأويلات عِدَّة، تدور كلها على تفسيره تفسيراً مادياً وبشرياً، لا يعدو كونه نشاطاً من الأنشطة الإنسانية الفردية، وأنه جاء نتيجة تأثيرات روحانية أو قوى عقلية، أو انفعالات نفسية، أو تأملات باطنية، لبعض الأفراد الذين تميزوا بعبقرية فَذَّة في جانب أو أكثر من جوانب الشخصية الإنسانية، جعلتهم يصلون إلى ما يقدر عليه غيرهم من الإنتاج الفكري والإصلاح والروحي والعملي، كما كانت تقول المذاهب الصوفية والباطنية القديمة والحديثة".
وهذا يقودنا إلى نموذج آخر من الانحراف الفِكري والعقائدي.
· النموذج الثاني: الدعوة إلى إحياء فِكر شيخ الصوفية الأكبر محيي الدين ابن عربي
وابن عربي من غُلاة التصوف الفلسفي –يلقبه أهل التصوف بالشيخ الأكبر وبالكبريت الأحمر-، وهو أحد القائلين بعقيدة وحدة الوجود، وصاحب "فصوص الحِكَم" و"الفتوحات المَكية"، والتي لا يخفى على أحد ما تحتويه هذه الكتب مِن كُفر وزندقة.
قال نصر أبو زيد في كتابه (هكذا تكلم ابن عربي: ص24): "ترجع أهمية فِكر ابن عربي إلى أنه يُمَثِّل قمة نضج الفكر الإسلامي في مجالاته العديدة، من فقه ولاهوت وفلسفة وتصوف، هذا فضلاً عن علوم تفسير القرآن وعلوم الحديث النبوي، وعلوم اللغة والبلاغة .. إلخ".
وأنا لا أدري كيف يُقال هذا المدح في شخص مِثل ابن عربي، القائل في كتابه (فصوص الحِكم): "إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته حَرَّم الفواحش، وأما فُحش ما بطن فهو لمن ظهر له، فلما حَرَّم الفواحش، أي منع أن تُعْرَف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيب .. ". نقلاً عن كتاب (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ – محمود عبد الرؤوف قاسم: ص58).
فهذا قول صريح بعقيدة وحدة الوجود الكُفرِيَّة " أنه عين الأشياء" –أي أن الله هو عين الموجودات وأن الخَلْق والخالِق شيء واحد- والعياذ بالله.
ثم يدعو نصر أبو زيد إلى بعث تجربة ابن عربي لحل مشكلات الحياة التي يواجهها العالم، فيقول في كتابه (هكذا تكلم ابن عربي: ص26): "إن استدعاء ابن عربي –مع غيره من أعلام الروحانية في كل الثقافات- يُمثل مطلباً مُلِحاً، لعلنا نجد في تجربته وفي تجاربهم ما يمكن أن يُمثل مصدراً للإلهام في عالمنا الذي سبق أن ألمحنا لبعض مشكلات الحياة فيه".
ثم يبين نصر أبو زيد علاقته الوثيقة بابن عربي، فيقول: "لكن العودة للسباحة في المحيط الهادر لابن عربي ظل حلماً يراودني دون أن أخاطر بالمغامرة مرة أخرى، ومع ذلك فإن علاقتي بالشيخ الأكبر لم تنقطع أبداً، فجزء لا يستهان به أبداً من تكويني الأكاديمي ومن تجربتي الدينية الروحية في الحياة، أدين به للخبرات التي اكتسبتها من خلال اللقاء الأول بالشيخ الأكبر". (هكذا تكلم ابن عربي: ص13).
ويتبين لنا من هذين النموذجين السابقين حِرص رُوَّاد تلك المدرسة على الطعن في الدين، بمحاولة التشكيك في مصدرية الوحي الربانية، وبمحاولة بعث أفكار أئمة الكُفر والزندقة وإحياء التراث الباطني.
وختاماً، فهذا ما يسر الله لي جمعه، فما كان من توفيق فمِن الله وحده، وما كان من نقص أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان.
قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ٍسورة آل عِمران – الآية 8].
كتبه: حاتم الحاجري،
عفا الله عنه
ـ[أبو عمر محمد بن إسماعيل]ــــــــ[06 - 07 - 10, 09:32 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو عبد الرحمن العتيبي]ــــــــ[06 - 07 - 10, 12:18 م]ـ
جزاكم الله خيرا، و بارك فيكم.
ـ[أبو أروى الدرعمي]ــــــــ[19 - 07 - 10, 11:09 م]ـ
{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].
ـ[أبو معاذ محمد رضا]ــــــــ[20 - 07 - 10, 04:31 ص]ـ
لما توفي هذا الشخص واستراح منه كل شيء قام أحد الكتاب المخذولين عندنا بالجزائر المدعو ب"واسيني الأعرج "ــ وهو اسم على مسمى ــ بالدفاع عنه من خلال جريدة الخبر واعتبار فكره تنويريا ومن طعن فيه ظلاميا والعجيب أنه ختم كلامه بقوله "رحمك الله" ..... عش رجبا تر عجبا.