فيكون الأمر بمسح الرأس أمرًا بمسحهما؛ فثبت وجوبه بالنص القرآني، وأجيب بعدم انتهاض الأحاديث الواردة لذلك، والمتيقن الاستحباب فلا يُصار إلى الوجوب إلا بدليل ناهض [نيل الأوطار]
قُلت وعلى القول بصحة حديث «الأذنان من الرأس» فلا يلزم إلا القائل بوجوب مسح كل الرأس، أما من قال بإجزاء مسح البعض، وهو الأرجح كما بينا آنفًا، فهذا الحديث ليس بحجة؛ لأن مسح بعض رأسه لا يحتاج لمسح الأذنين، حتى إن قلنا إنهما من الرأس
كيفية مسح الأذنين ورد مسح الأذنين مجملاً ومفصلاً في أحاديث عدة، نذكر منها ما كان على جهة التفصيل؛ لأنه محل الاستدلال
حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، وفيه «مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخره، ثم بمقدمه وبأذنيه كلتيهما ظهورهما وبطونهما» أبو داود وحسنه الألباني
حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، وفيه «ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما» أبو داود وصححه الألباني وفي رواية أبي داود «وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه» البيهقي في السنن الكبرى
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي مسح داخلهما بالسبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهرهما فمسح ظاهرهما وباطنهما ابن ماجه وصححه الألباني
فعلى هذا إذا مسح المتوضئ رأسه أتبعه بمسح الأذنين؛ فيضع إصبعيه في صماخي الأذنين، والصماخ هو الثقب الذي تدخل فيه رأس الأصبع من الأذن، ثم يمسح باطن الأذن، وهو ما يلي الوجه بالسبابة، وظاهر الأذن، وهو ما يلي الرأس، بالإبهام.
غسل الرجلين
اتفق علماء المذاهب الأربعة وغيرهم على وجوب غسل الرجلين؛ لقوله تعالى " فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " المائدة، وللأحاديث التي وردت في صفة وضوئه، وكلها فيها غسل الرجلين
قال الإمام النووي ذهب جميع الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين، ولا يجزئ مسحهما، ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يُعتد به في الإجماع
كيفية غسل الرجلين
الفرض أن تُغسل الرجلان إلى الكعبين، والكعبان داخلان فيهما، والسنة أن يبدأ بالرجل اليمنى لما سبق من حديث عائشة رضي الله عنها، ويبدأ الغسل من الأصابع، وينتهي بغسل الكعبين، ويُسن التخليل بين أصابع القدمين، كما في اليدين، وإن لم يصل الماء إلى بعض الأصابع إلا بتخليلها كان واجبًا؛ لأن الفرض استيعاب القدم؛ لما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي رأى رجلاً لم يغسل عقبه فقال «ويل للأعقاب من النار» متفق عليه
الترتيب
ذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب الترتيب في الوضوء؛ لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ المائدة قال ابن قدامة فالآية تدل على أنه أُريد بها الترتيب؛ فإنه أدخل ممسوحًا بين مغسولين، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، ولا فائدة هنا إلا الترتيب
فإن قيل فائدته استحباب الترتيب قلنا الآية ما سيقت إلا لبيان الواجب، ولهذا لم يذكر فيها شيء من السنن؛ ولأنه متى اقتضى اللفظ الترتيب كان مأمورًا به، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن كل من حكى وضوء النبي حكاه مرتبًا، وهو مفسِّر لما في كتاب الله، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم وجوب الترتيب بأن الواو في الآية لا تقتضي الترتيب، وبما صح عن المقدام بن معدي كرب قال أتى رسول الله بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مضمض واستنشق ثلاثًا ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما أحمد وصححه الألباني
فجاء في الحديث بالمضمضة والاستنشاق بعد غسل اليدين، فدل ذلك على أن الترتيب غير واجب في الوضوء
الموالاة
ذهب أبو حنيفة والشافعي في الجديد ورواية عن أحمد إلى عدم وجوب الموالاة، واحتجوا بآية الوضوء، وأن المأمور به غسل الأعضاء، فكيفما غسل جاز
وهو فعل ابن عمر رضي الله عنهما، فعن نافع أن ابن عمر توضأ في السوق، فغسل يديه ووجهه وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم دخل المسجد فمسح على خُفيه بعد ما جفّ وضوؤه وصلى البيهقي في السنن الكبرى
قال الشافعي «وبينهما تفريق كثير، وقد صح عن ابن عمر التفريق، ولم ينكر عليه أحد مغني المحتاج للشربيني
وذهب أحمد في ظاهر المذهب والمالكية إلى وجوب الموالاة؛ لما روى خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي أنه رأى رجلاً في ظهر قدمه لمعة كقدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره رسول الله أن يعيد الوضوء والصلاة أبو داود وصححه الألباني ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسل اللمعة المغني لابن قدامة
وبهذا ينتهي ما تيسر جمعه فيما يتعلق بصفة وضوء النبي، ونسأل الله عز وجل التوفيق والقبول؛ فهو نعم المولى ونعم النصير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
¥