تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشرط الرابع: اختلف العلماء- رحمهم الله- هل يشترط أن يكون الآمر والناهي فاعلاً لما أمر به، تاركاً لما نهى عنه أو لا؟ والصحيح أنه لا يشترط، وأنه إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر، ولم كان لا يفعل المعروف ولا يتجنب المنكر، فإن ذنبه عليه، لكن يجب أن يأمر وينهى، لأنه إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفعل المأمور ولا يترك المحظور، لأضاف ذنباً إلى ذنبه، لذا فإنه يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان يفعل المنكر ويترك المعروف.

ولكن في الغالب بمقتضى الطبيعة الفطرية أن الإنسان لا يأمر الناس بشيء لا يفعله، بل يستحي، ويخجل، ولا ينهى الناس عن شيء يفعله. لكن الواجب أن يأمر بما أمر به الشرع وإن كان لا يفعله وأن ينهي عما نهي عنه الشرع، وأن كان لا يتجنبه؛ لأن كل واحد منهم واجب منفصل عن الآخر، وهما متلازمين.

ثم إنه ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقصد بذلك إصلاح الخلق وإقامة شرع الله، لا أن يقصد الانتقام من العاصي، أو الانتصار لنفسه، فإنه إذا نوى هذه النية لم ينزل الله البركة فلي أمره ولا نهيه؛ بل يكون كالطبيب يريد معالجة الناس ودفع البلاء عنهم، فينوى بأمره ونهيه أولاً: إقامة شرع الله، وثانياً: إصلاح عباد الله، حتى يكون مصلحاً وصالحاً، نسأل الله أن يجعلنا من الهُداة المهتدين المصلحين إنه جواد كريم.

191 - الثامن: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجلٍ، فنزعهُ فطرحهُ وقال:" يعمدُ أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يدهّ" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خذ خاتمك؛ انتفع به قال: لا والله لا آخذهُ أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم [298].

الشرح

أتى المؤلف- رحمه الله - بهذا الحديث في باب:" الأمر المعروف والنهي عن المنكر"؛ لأن فيه تغيير المنكر باليد، فإن لباس الرجل الذهب محرم ومنكر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير، أنهما أُحلا لنساء أمتي وحُُرما على ذكروها [299].

فلا يجوز للرجل أن يلبس خاتماً من ذهب، ولا أن يلبس قلادة من ذهب، ولا أن يلبس ثياباً فيها أزرّةٌ من ذهب، ولا غير ذلك، يجب أ ن يتجنب الذهب كله، وذلك أن الذهب إنما يلبسه من يحتاج إلى الزينة والتجمل، كالمرأة تتجمل لزوجها حتى يرغب فيها. قال الله عزّ وجلّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف:18)، يعني النساء. فالنساء ينشأن في الحلية ويرُبين عليها (فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أي عييّة لا تفُصح.

على كل حال: الذهب يحتاج إليه الناس للتجمل للأزواج، والرجل ليس بحاجة إلى ذلك. الرجل يتجملُ له ولا يتجملُ لغيره، اللهم إلا الرجل فيما بينه وبين زوجه، كل يتجمل للآخر، لما في ذلك من الألفة، ولكن مهما كان، فإن الرجل لا يجوز له أن يلبس الذهب بأي حال من الأحوال.

وأما لباس الفضة فلا بأس به، فيجوز أن يلبس الرجل خاتماً من فضة، ولكن بشرط أن لا يكون هناك عقيدة في ذلك، كما يفعله بعض الناس الذين اعتادوا عادات النصارى في مسألة " الدّبلة"، التي يلبسها البعض عند الزواج.

يقولون عن الدبلة: إن النصارى إذا أراد الرجل مهم أن يتزوج، جاء إليه القسيس وأخذ الخاتم ووضعه في أصابعه: إصبع بعد إصبع، حتى ينتهي إلى ما يريد ثم يقول: هذا الرباط بينك وبين زوجتك، فإذا لبس الرجل هذه الدبلة معتقداً ذلك فهو تشبه بالنصارى، مصحوب بعقيدة باطلة، فلا يجوز حينئذ للرجل أن يلبس هذه الدبلة.

أما لو لبس خاتماً عادياً بغير عقيدة، فإن هذا لا بأس به.

وليس التختم من الأمور المستحبة؛ بل هو من الأمور التي إذا دعت الحاجة إليها فعلت وإلا فلا تفعل، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يلبس الخاتم لكنه لما قيل له: إن الملوك والرؤساء لا يقبلون الكتاب إلا بختم، اتخذ خاتماً نقش في فصِّه:" محمد رسول الله " حتى إذا انتهى من الكتاب ختمه بهذا الخاتم.

وفي هذا الحديث دليلٌ على استعمال الشدة في تغيير المنكر إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له: إن الذهب حرام فلا تلبسه، أو فاخلعه؛ بل هو بنفسه خلعه وطرحه في الأرض.

ومعلوم أن هناك فرقاً بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين تغيير المنكر؛ لأن تغيير المنكر يكون من ذي سلطة قادر، مثل الأمير من جعل له تغييره، ومثل الرجل في أهل بيته، والمرأة في بيتها وما شابه ذلك. فهذا له السلطة أن يغير بيده، فإذا لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.

أما الأمر فهو واجب بكلّ حال، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجب بكل حال؛ لأنه ليس فيه تغيير، بل فيه أمر بالخير ونهي عن الشر، وفيه أيضاً دعوة إلى الخير والمعروف وإلى ترك المنكر، فهذه ثلاث مراتب: دعوة، وأمر ونهي، وتغيير. ن، يعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الهدى.

وأما الأمر: فإن يأمر أمراً موجهاً إلى شخص معين، أو إلى طائفة معينة. يا فلان احرص على الصلاة، واترك الكذب، اترك الغيبة، وما أشبه ذلك.

أما التغيير: فإن يغير هذا الشيء، يزيله من المنكر إلى المعروف، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزع الخاتم من صاحبه نزعاً، وطرحه على الأرض طرحاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير