[قراءة في الطلاق عند النصارى الأقباط]
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[11 - 07 - 10, 12:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قراءة في الطلاق عند الكنيسة القبطية
الطلاقُ ككل قضية في النصرانية كبرت أو صغرت لا تجد لهم فيها رأيا واحداً، ولا تجد بعضهم يعذر بعضاً فيما اختلفوا فيه، بل ولا أحداً يقبل غيره من بني ملته فيما اختلف معه فيه، ويصل الخلاف بين الطوائف النصرانية لمستوى التكفير ويتعداه إن وجد أحدهم سبيلاً على الآخر. هذا أول ما نلحظه حين ننظر لحال القوم في تعاطي قضية الطلاق.!
ويثور سؤال: لماذا؟ أليسوا أهل دين واحد ويرجعون لكتابٍ واحد؟!
هكذا يبدو الأمر، ولكن النصوص ليست واحدة، فهم مختلفون في الكتاب يزيد الكتاب عند بعضهم أسفاراً وينقص أسفاراً عند آخرين، وبداخل الأسفار يوجد اختلافات غير قليلة وفي جُمَلٍ تتعرض لصلب عقيدتهم.
وبعد اختلاف كتابهم هم يتبعون قسسهم (رجال دينهم)، فهم الذين يملكون ـ عند عامة الطوائف النصرانية ـ حق فهم النص والتحدث عن الله، وتتقلب الطائفة الواحدة تبعاً (لفهم) من يترأس فيها. ولا يخفى أننا حين نركن للفهم الخاص تتعدد الفهومات وتختلف كما هو حاصل في قضية الطلاق.
شنودة الثالث نموذجاً
قبل أن يأتي شنودة الثالث كان الطلاق لعلة الزنا ولغير علية الزنا .. فإن غاب الزوج وانقطع الرجاء في رجوعه، أو حبس وطال حبسه، أو ذهب عقله، أو مرض مرضاً معدياً لا يرجى شفاؤه منه، أو كان سيء الخلق يعتدي على قرينه بما قد يتهدد حياته، أو كان لا ينجب أو لا يستطيع أن يأتي أهله، حُق للطرف الآخر أن يطلب الطلاق ويعطاه.
كان نصارى مصر على هذا حتى جاءهم شنودة الثالث فضيق واسعاً وخالف تقاليد آبائه ومعلميه وادعى أن الطلاق فقط يكون لعلة الزنا، ثم راح ـ هو ومن حوله ـ يعطي تفاصيل شديدة المرونة في إثبات علة الزنا وكأنه ينادي على الناس أن يزنون أو يتهمون بعضهم بالزنا ليتخلص القرين من قرينه!!
ألفت النظر إلى أن الحلال والحرام يقرره بشر. . ألفت النظر إلى أن الدين يقرره نفر من الناس، فهؤلاء يتبعون بشراً. بالأمس اجتمع سمحاء فوسعوا على الناس، وانفرد ضيق الأفق متعصب فضيق واسعاً. وفي كل حال الدين عند هؤلاء يتكون من آراء بشر، وصدق الله العظيم {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة31
مرونة النصرانية
ينسحب الحديث عن الطلاق في النصرانية على كل أمور النصرانية، فهي مرنة طيعة، يشكلها هذا وهذا، أو هذا وهذا، وإن وجدوا فرصة للتمدد تمددوا وطالبوا بما لم يستحقوا كما يحدث الآن في مصر، وإن ساءت أحوالهم انكمشوا وتنازلوا عن ما يستحقوا، وهذا يعطي مؤشراً للتعامل مع النصرانية، ويرفع لنا وللمعارضين للكنيسة من العلمانيين النصارى لافتةً عريضة تبين لنا أن القوم لا ينبغي أن يترك لهم الزمام، فهم يزحفون باسم الدين إلى كل ما يستطيعون الوصول إليه، وحال الكنيسة في العصور الوسطى شاهد عيان.
الضرر يبدأ بالقريب
في كل مرة يتمدد السلطان الكنسي يبدأ الضرر (بشعب الكنيسة)، نقرأ هذا في تاريخ العصور الوسطى، ونجده في الحالة القبطية التي بين أيدينا اليوم؛ وهذا أمر بدهي، إذ أنهم هم محل الأمر والنهي بداية، وقضية الطلاق أحد أضرار الحرية الزائدة لرجال الدين على شعبهم. يتكلمون بما يظنونه دين ثم يتصلبون على رأيهم، ولا يلتفتون للناس. ولك أن تراجع عشرات الآلاف (وبعضهم يقول مئات) من الحالات التي تقف بالمحاكم للتخلص من الزواج، وبدهي أن الرجل (أو المرأة) لا يلجأ للمحكمة إلا بعد أن يصبح البيت جحيم، فلك أن تقول عشرات الآلاف من البيوت تحولت لجحيم بسبب هذا التسلط في الفتوى. يبدأ التسلط يبدأ بتأزيم المجتمع النصراني ومن ثم تشققه ثم انفلاته وبالتالي يصبح فريسة للمخالفين، وتنتهي الأمور إلى غير ما يريد المتشددون.
وقد مرَّ النموذج الأوربي الذي انتهى بالثورة على الدين والمتدينين وتبني العلمانية وحبس الكنيسة داخل جدرانها. وعلى أولئك أن يستحضروا الصورة التي مرت بالتاريخ أن يجتهدوا في إدخال (رجال الدين) ثانية إلى الكنائس.
والحالة القبطية تسير إلى طريق مسدود ويتهددها ما هو أشد من هذه الجماهير المتضررة من التضييق في قضية الطلاق، والتي تسلك طرقاً لتخطي سلطان الكنيسة أو تحجيمه، يتهددها أولئك المتربصون بها من بني ملتها ممن يقتاتون على مثل تلك المشاكل الدينية وهم نشطون ويعملون ويجدون ثمرةً لأعمالهم؛ ويتهددها العلمانية التي تسربت إلى مواطنيها أو متواجدة بين مواطنيها وتجد وقوداً من مثل هذه الحالات، ويتهددها الذراع الخارجية (أقباط المهجر)، فقد (شبَّ عمرو عن الطوق)، وبدت لهم مصالح خاصة ومعالم خاصة بروتستانتية أو علمانية مادية، ويتهددها من تتعدى على أقدس ما عندهم، أعني المسلمين، فلم يعد يخفى على متابع أن الخطاب الكنسي القبطي المعادي للإسلام فشل في تحقيق هدفه. ويتهددها التغيير القادم في الحياة السياسية المصرية، والتي لن يكون التغيير فيما يبدو في صالحها.
إن الكنيسة المصرية الأرثوذكسية توفر لها ظرف استثنائي فأساءت لمواطنيها ولمخالفيها من الطوائف النصرانية والمسلمين، فاستدار لها الجميع، وأقل ما ترجوه غداً أن تترك آمنة داخل جدران الكنائس والأديرة.
أبو جلال / محمد بن جلال القصاص
[email protected]
ظهر الأحد 23/ 07 /1431
04/ 07 /2010