[الثورة الإصلاحية وكشف المغطى]
ـ[ناصر العلي]ــــــــ[16 - 07 - 10, 06:21 م]ـ
الثورة الإصلاحية وكَشْفُ المُغَطَّى
الإصلاحُ كلمةٌ لها بريقُها ورونقُها، {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ}. والفساد ممقوتٌ ممجوجٌ، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}. وكفى بالإصلاح شرفًا ومطلبًا أن يدَّعيَه كلُّ أحد، ولو كان منافقًا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}
ولأن مركبَ الإصلاح مُوَطَّأُ الأكناف، استوى على ظهره، وامتطى صهوةَ جوادِه كلُّ زاعم للإصلاح، سواء ممن في قلبه مرض، أو ممن حسنت سريرته، لكنه حاد عن جادَّة الطريق: "فكم من مُريدٍ للخير لا يصيبه! ".
فأما الذين في قلوبهم مرض، وفي منهجهم دَغَل، وفي تفكيرهم خلل، فبينهم وبين المؤمنين بُعْدُ المشرقين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}.
لماذا؟؛ لأن مرجعية التحاكم متضادة، هم يحاكمون الناس إلى العقل والليبرالية والغربية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً}، بينما علماء الشريعة يقولون لهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}.
ولهذا فلا غَرْوَ أن ابتدع التغريبيون تصنيف المجتمع إلى: إصلاحيين (يعنون أنفسهم، ومن دار في فَلَكِهِم من الشرعيين المنفتحين المتساهلين المتلاينين)، ومحافظين (يعنون العلماء والدعاة الجامدين التقليديين المعوقين مسيرة الإصلاح في نظرهم).
وأَيْمُ الله! {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى}؛ لأن وصفَ المؤمنين - من الأنبياء والعلماء والصالحين - بالفساد، ونَزْعَ صفةِ الصلاح عنهم غَدْرةٌ يهوديةٌ: {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ}، وهي أيضا شِنْشِنَةٌ فرعونيةٌ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ}.
لكنَّ اللهَ جلَّ جلالُه - الذي يعلمُ المصلحَ من المفسد - حدَّدَ معيارًا كاشفًا لحقيقة الإصلاح في قوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}. وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}. ولهذا كان الأنبياء – والعلماء ورثة الأنبياء – هم الإصلاحيين الحقيقيين، قال شعيب عليه السلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}. وقال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.
وفي غضون السنين الأخيرة تفاقمتْ حِدَّةُ الناقمين على العلماء عامَّةً والمفتين خاصَّةً المعروفين لدى كافَّة الناس أجمعين. فنبتت نابتةُ ثوارٍ إصلاحيين من: منافقين مفسدين (ممن في قلوبهم مرض). وشرعيين متعالمين ليس لهم في العمق العلمي وِرْدٌ ولا صَدْرٌ. وشرعيين عالِمِين مُسْتغفَلين، يُستكتبون ويُستفتون، فتقع منهم موبقات حين يقصدون مجرد الإفتاء، بينما مُسْتغفِلُهم يقصد التوظيف الفكري لخدمة مُبَيَّتَاتِه فحسب.
¥