[:: الطريق إلى رمضان ...]
ـ[محمد البشير مناعي]ــــــــ[20 - 07 - 10, 03:30 م]ـ
{الطريق إلى رمضان}
http://www.islamonline.net/images/templates/trick.gif
إن المتأمل في كون الله الخالق يجد أن كل شيء يتم عن تنظيم وتدريج مسبق ومتقن من بديع السماوات والأرض حتى بدا كل شيء لا يتم فجأة دون تدريج أو مقدمات، فالمطر يسبقه سحاب، والعاصفة تسبقها الرياح، كما أن الليل لا يدخل فجأة على عالم البشر، أما النهار فبرغم حب الناس له فإنه لم ولن يأتي فجأة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. وإن يوم القيامة برغم أنه يوم حسم لا مثيل له فإن الله وضع له علامات كبرى تسبقها علامات صغرى. فقط لا يأتي شيء فجأة سوى الموت وحده دون دافع أو منازع ولله في كل ذلك شئون.
وإن المتأمل في شرع الله تعالى يجد نفس التدريج في كل شيء حتى في العبادات والفروض والأركان؛ فالصلاة يسبقها الأذان، والصلاة تسبقها سنن ورواتب مع أن كليهما صلاة!! والزكاة يرافقها صدقة التطوع بكل أنواعها، وحج الفريضة يقابله العمرة، وصوم الفريضة وأعني به رمضان يسبقه ألوان وألوان من أنواع صوم التطوع كصوم الإثنين والخميس وصوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وصوم يوم 13، 14، 15 من كل شهر قمري، إضافة لصيام ستة أيام من شوال وبعض ألوان التطوع التي تقدمها النفس إلى خالقها رغبة ورهبة.
إن من فضل الله عز وجل أن جعل لنا طريقًا إلى رمضان عبر بوابة رجب وشعبان؛ فلا يمكن الدخول إلى رمضان إلا عبرها، ومن الصعب أن تحقق كل شيء في رمضان دون الاستعداد له؛ لأن من أراد السفر فلا بد أن يأذن بالرحيل وإلا ظل مكانه دون سفر أو رحيل.
وإن المتأمل في أحوال كثير من الناس يجد نوعًا من التعامل الغريب مع رمضان؛ فبرغم أن الأغلب الأعم من الناس يتمنى رمضان كضيف عظيم يسعد به لدرجة يبكي فيها عند مفارقته فإن ثمة تناقضًا في الاستعداد لهذا الضيف! فبرغم أن كل الناس ترى رمضان وهو يقترب رويدًا رويدًا بدءاً من رجب ومرورًا بشعبان فإن الواقع العملي يؤكد أن أكثرنا يجد نفسه أمام رمضان وكأنه ظهر فجأة دون أن يظهر له شيء من الاستعداد.
أما عندما تتفقد فهم الرسول صلى الله عليه وسلم لطبيعة المرحلة التي قبل رمضان؛ فمن المؤكد أن الوضع سيختلف مع رجل في مثل تفكيره ومنطقه، وهذا تميز يضاف إلى شخصه صلى الله عليه وسلم في كون أعماله دائمًا تتلمس فيها حسن التخطيط والتدبير، إضافة لنوع من التوازن الرائع بين متطلبات الروح والجسد دون أدنى إفراط أو تفريط.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان" رواه البخاري، وفي رواية لمسلم: "كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا"، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: "ذاك شهر يغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".
ويشير ذكاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى كون شعبان بين شهرين عظيمين -الشهر الحرام وشهر الصيام- وأن الناس قد اشتغلت بهما عنه، فصار مغفولا عنه!! وهذا ما يتميز به الأذكياء عادة أن يفكروا كما يفكر الناس، لكن لا يغفلون ولا ينسون عندما ينسى الناس.
وفي كلامه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه.
وفي كلامه أيضًا دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق؛ لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة، فلماذا رأى الرسول صلى الله عليه وسلم إحياء الوقت المغفول عنه في شعبان بالطاعة؟؟
¥