وفي المغرب بقصار المفصل، وأحيانا بطواله، فقرأ مرة بالأعراف، ومرة بالطور. وفي العشاء بالشمس وضحاها، والانشقاق ونحوهما، ونهى معاذا عن الإطالة فيها.
هذه هي صلوات النبي صلى الله عليه وسلم، قد كانت بين الإطالة والتخفيف، بحسب الحاجة، فالفجر أطولها والظهر، وخفف فيهما أيضا، والمغرب والعشاء أقصرها. وأطال في المغرب مرة.
* * *
ومن التأني في العبادة: الخشوع، والسكينة, والطمأنينة يوم الجمعة. بالتكبير، وحضور الخطبة، والصلاة. وخطبه صلى الله عليه وسلم كانت معتدلة في مدتها، قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: (لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا، سنتين أو سنة وبعض سنة. وما أخذت (ق~ والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر. إذا خطب الناس) مسلم
وعن عمرة بنت عبد الرحمن، عن أخت لها قالت: (أخذت (ق~ والقرآن المجيد) من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الجمعة، وهو يقرأ بها على المنبر، في كل جمعة) مسلم
هاتان الروايتان تفيدان كثرة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة ق~ في خطبة الجمعة، قال ابن القيم: "حفظ من خطبه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة ق~". زاد المعاد 2/ 424
وقراءة هذه السورة كقراءته صلى الله عليه وسلم؛ ترتيلا لا هذّاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفا حرفا، يقف عند رؤوس الآيات، يمد حروف المد، ويؤدي أحكام التجويد تامة: تستغرق ما يقرب من ثنتي عشرة دقيقة.
فإذا أضيف إليها أنه يبتدئ خطبه بالحمد والثناء، ثم يقول: (من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الكتاب كتاب الله .. ) إلى آخر ذلك، كما روى جابر عند مسلم في الجمعة. ثم الخاتمة بدعاء والاستغفار ونحو ذلك: فإن مدة خطبه كانت حوالى خمس عشرة دقيقة، ربما زادت عن ذلك، وربما قلت عن هذا الحد، بحسب الحاجة.
في ضوء هذا التحديد نفهم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا). رواه مسلم عن عمار
فليس المعنى خطبة قصيرة إلى حد التخفيف البيّن، إنما بين الطول والقصر، روى جابر بن سمرة قال: (كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا). [مسلم]؛ أي بين الطول الظاهر، والتخفيف الماحق.
هذا أمر، وأمر آخر: أن قصر الخطبة ليس مطلقا، بل بالنسبة للصلاة، فالسنة أن تكون الصلاة أطول دائما من الخطبة، على أن تكون الخطبة بحدود الخطبة النبوية، كما تقدم حوالى خمس عشرة دقيقة، تزيد قليلا، وليس المعنى أن يختصر في الخطبة، حتى تكون دقائق معدودة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في المجامع الكبار كالأعياد بـ ق~ والقمر، وصلاة بهما كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، تستغرق حوالى نصف ساعة، فلو خطب بثلث ساعة، لكانت الخطبة أقصر من الصلاة. وقريبا من مدة خطبته عليه السلام، ولم يكن بذلك مخالفا للسنة النبوية في الخطبة، كما يظن بعض الناس.
إن المستمع للخطبة له ثواب وأجر المصلي؛ لأنه في صلاة، ما دام ينتظر باستماعه الجمعة، وإن الخطبة اليوم أضحت المصدر الوحيد لتعليم كثير من الناس دينهم، وإذا الفهوم قصرت، والمشكلات والشبهات كثرت: جاز التوسع في مدة الخطبة أكثر من ذلك؛ لأن تعليم الناس دينهم من المقاصد الكبرى للدين.
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[24 - 07 - 10, 03:36 م]ـ
الشيخ الفاضل / لُطف الله خوجة
جزاكم الله خيرًا ونفع بكم.
ـ[أبو مريم العتيبي]ــــــــ[24 - 07 - 10, 03:57 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم وجزاك الله خيراً